اندفاعة «العملاق» الصيني تؤرّق أميركا

قسم الأخبار

في الوقت الذي تشير فيه كل التقديرات إلى أن مستقبل العلاقات الدولية الجديدة سيكون مرهوناً بـ«التسوية» التي يمكن أن يتوصل إليها الجباران؛ الأميركي والصيني، لإعادة صياغة علاقاتهما المشتركة، يقفز على الفور تساؤل عن ماهية تلك التسوية التي ستقيم التوازن بين نظرتين مختلفتين لطبيعة النظام الدولي الجديد الذي سيحكم العالم. وبينما يريد الرئيس الأميركي جو بايدن أن يعيد تشكيل «تحالف الديمقراطيات»، تريد الصين أن تضع نفسها في موقع التحدي الرئيسي لنظام دولي تقوده الولايات المتحدة، والتأكيد على أن لديها تحالفاتها الخاصة التي تدعو إلى «ضرورة التوقف عن ربط الأجندة السياسية بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والالتزام بسيادة القانون، واستخدام هذه الأجندة ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى»، بحسب البيان المشترك الأخير عن لقاء وزيري خارجية الصين وروسيا.

صعود الصين إلى مرتبة «المنافس الاستراتيجي» للولايات المتحدة، فرض نقاشاً أميركياً محموماً، وإجراءات غير مسبوقة من البلدين، تدرّجت من فرض العقوبات المتبادلة، وصولاً إلى حد الدخول في حرب تجارية شاملة. إلا أن أصواتاً أميركية وازنة، يُعتقد أنها تجد آذاناً صاغية من قبل إدارة بايدن، تدعو إلى إعادة نظر عقلانية بطبيعة العلاقة التي يجب أن تصيغها واشنطن مع بكين، وذلك عبر تحديد نقاط القوة والضعف وكيفية استثمارها، إذا ما أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على موقعها الريادي.

يقول الدكتور هنري كيسنجر أحد كبار صانعي السياسة الخارجية الأميركية: «إن على الولايات المتحدة والغرب عموماً، التوصل إلى تفاهم مع الصين حول نظام عالمي جديد لضمان الاستقرار، وإلا سيواجه العالم فترة خطيرة، كالتي سبقت الحرب العالمية الأولى». ويضيف: «على الغرب أن يؤمن بنفسه، فالقوة الاقتصادية للصين لا تعني أنها ستتفوق تلقائياً في كل المجالات التكنولوجية خلال هذا القرن».

– الصعود الصيني لافت

قد لا يكون مطلوباً العودة إلى «سردية تاريخية» للعلاقات الأميركية الصينية، بقدر ما هو مطلوب تحديد عناصر التمايز بين القوتين، اللتين تهيمنان الآن على ما يقرب من نصف الإنتاج العالمي. غير أن معظم المحللين والباحثين، وكذلك الساسة الأميركيون، يدركون أن الصين تصعد في شتى المجالات، وحقاً تحولت إلى أكبر محرك للنمو الاقتصادي العالمي، سواء بالنسبة للتبادل التجاري أو في استقطاب وتوظيف الاستثمارات الأجنبية. وهي اليوم تستخدم «مبادرة الحزام والطريق» لتوسيع نفوذها في مختلف أرجاء العالم، وكان آخرها توقيع الاتفاق الاستراتيجي مع إيران؛ حيث تحاول ترجمة ثقلها الاقتصادي إلى قوة سياسية وعسكرية، للتأثير على محيطها الإقليمي، ومن ضمنه حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين في المنطقة. ثم لأنها تسعى إلى تقديم نفسها كنموذج بديل، عبر المزج بين أقصى الانفتاح الاقتصادي، الذي يوصف بـ«الرأسمالية الاستبدادية المفترسة»، وأقصى الانغلاق السياسي «التوتاليتاري» الذي يركز السلطة وفق نمط «لينيني» لا يزال يؤمن لها الاستقرار السياسي. كما في ممارساتها القمعية تاريخ طويل، من قمع انتفاضة التيبت عام 1959 إلى قمع انتفاضة الطلاب في ساحة تيان آن من عام 1989. وإلى القمع الأخير للحركة الديمقراطية في هونغ كونغ، واضطهاد الأويغور المسلمين في سنكيانغ، ناهيك من تهديداتها لتايوان.

في هذه الأثناء أيضاً، يشيد الصينيون بنموذجهم هذا، ويحتفلون بأنهم استطاعوا هزيمة فيروس «كوفيد 19»، وإعادة فتح البلاد، بينما الولايات المتحدة ودول الغرب تكافح من أجل وقف تمدد الفيروس. وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في الخريف الماضي، أن «الوقت والزخم في صالحنا»، فيما أعلن تشين ييشين أحد كبار المسؤولين الصينيين الأمنيين، في مؤتمر آخر للحزب، في يناير (كانون الثاني)، أن «صعود الشرق وانحدار الغرب غدا اتجاهاً يستحيل وقفه».

لكن هل صعود الصين يشكل خطراً داهماً على الولايات المتحدة؟ وهل «هلع» بعض صناع القرار الأميركيين له ما يبرره، أم أن سوء التقدير قد يقود إلى قرارات خاطئة قد تضاعف من الخسارة، بل تعرّض السلم العالمي لأخطار، يمكن تفاديها بعقلانية متنورة؟

– نقاط القوة والضعف

الأنظمة الاستبدادية تتفوق عادة في عرض قوتها وإخفاء نقاط ضعفها، وينبغي على صانعي السياسة في واشنطن أن يتمتعوا بالقدرة على تمييزها. لكن على الرغم من «العيوب» التي تتبدى في أمثلة كثيرة من المشكلات التي يعانيها «النموذج الأميركي»، ثمة من يعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال هي القوة الكبرى في ميزان العلاقات مع الصين، وأن العيوب الصينية أكبر بكثير. فالتركيز على نقاط القوة لدى الصين من دون احتساب نقاط ضعفها قد يؤدي إلى حسابات خاطئة؛ خصوصاً في الميدان الأمني، وإلى المبالغة في ردود الفعل عبر قرارات سيئة قد تقوّض القدرة التنافسية للولايات المتحدة، ولا سيما إذا ترافقت مع ممارسات داخلية مثيرة للكراهية، على غرار ما شهدته أميركا من تحريض ضد «الفيروس الصيني»، ساهم في الهجمات العنصرية ضد الأميركيين الآسيويين.

ومن نافلة القول إن حساسية الصين تجاه النموذج الليبرالي «بنيوية» منذ ماو تسي تونغ. وعبّرت عن معارضتها لهذا النموذج في محطات عدة، منذ انشقاق تايوان، ووصولاً إلى أول انتخابات ديمقراطية تجريها سلطات تايبيه عام 1996، اعتبرتها بكين تهديداً آيديولوجياً وجودياً لنظامها. وكتب أخيراً يوان بينغ، رئيس المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة فكرية حكومية: «على واشنطن أن تخفض من نبرة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن تتكلم أكثر عن التعاون في الشؤون العالمية». ومن هذا المنظور، يمكن تفسير الهجمة الدبلوماسية الصينية الأخيرة، التي قادت وزير خارجيتها لعقد لقاءات محمومة مع كل من مسؤولي روسيا وتركيا وتوقيع اتفاق شراكة استراتيجية مع إيران.

ثم إنها سعت منذ انتخاب جو بايدن إلى منع واشنطن من تشكيل جبهة موحدة ضدها، ودعت إدارته لاستئناف التعاون بعد المواجهات خلال عهد دونالد ترمب. وأبرمت اتفاقيات تجارية واستثمارية، بما في ذلك اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، على أمل استبعاد الولايات المتحدة. لكن خططها لزيادة العلاقات مع أوروبا تعطلت بعدما ألغى البرلمان الأوروبي اجتماعاً كان من المقرر أن يناقش الاستثمار الجديد؛ حيث تواجه عقوبات أميركية وأوروبية، بعد التطور الذي طرأ على ملفي هونغ كونغ وأقلية الأويغور في سنكيانغ والتهديدات ضد تايوان.

– طموحات الصين بين الواقع والممكن

عبّرت الصين أيضاً عن طموحاتها بشكل واضح، فهي تسعى إلى تعديل ميزان القوة في النظام الدولي، وتغيير طبيعته الليبرالية، والنظام الأمني في آسيا، ودور المؤسسات الدولية وصلاحياتها، وفرض رقابة على التدفق الحر للمعلومات. وتريد أيضاً الاعتراف بنموذجها السياسي والاقتصادي الذي تقوده الدولة بقيادة الحزب الشيوعي، وترفض أي تحديات لإدارتها الداخلية. وتعتبر أن هدفها الوطني يتمثل في أن تصبح قوة رائدة في عدد متزايد من التقنيات المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات الكهربائية واستعمار الفضاء. ولكن، مع ذلك، فإن تزايد تصلب النظام السياسي، وتزايد تركز السلطة في بكين، ضيّق حيّز السياسات المحلية. وهو ما يترجم بتوجيه القرارات من أعلى الهرم إلى أسفله، الأمر الذي جعل من الصعب على المسؤولين مراجعة السياسات أو الإبلاغ عن الأخطاء. وهذا ما يعتقد أنه قد يكون وراء الاستجابة المبكرة السيئة وإخفاء المعلومات داخلياً وعن الخارج بعد تفشي «كوفيد – 19» في مدينة ووهان، وهذا إذا أردنا استبعاد أي فرضيات أخرى. كذلك، رغم نجاح النظام في تخفيف حدة الفقر، وترقي مزيد من الفئات الاجتماعية، فإن الميل الطبيعي عند تلك الفئات للمشاركة في السلطة بات يشكل قلقاً كبيراً للقادة الصينيين. في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة بنظام قانوني شفاف وواضح، ونظام سياسي يسمح بالتصحيح الذاتي، وخير دليل للشفافية والتصحيح أحداث العنف العنصري التي اندلعت العام الماضي واقتحام مبنى الكابيتول والتحقيقات الجارية فيه.

عليه، كيف يمكن للصين تحقيق أهدافها، في ظل مجموعة ضخمة من التحديات ونقاط الضعف البنيوية، التي ستفرض عليها آجلاً أم عاجلاً، تقنين حدود مواجهتها مع الولايات المتحدة؟

بحسب مقالة جادة في مجلة «فورين أفيرز»، الصين معرضة لخطر التقدم في السن على أسس اقتصادية متدهورة تعيق النمو قبل أن تصبح غنية، وعدد سكانها في سن العمل آخذ في الانكماش بالفعل. وبحلول عام 2050، سيكون هناك عاملان لكل متقاعد، بدلاً من 8 عمال لكل متقاعد الآن.

كذلك تفتقر الصين إلى أماكن منتجة للاستثمار في البنية التحتية، وسيزيد ارتفاع مستويات الديون من تعقيد مسار نموها. ووفق دراسات متخصصة، تضاعفت في العقد الماضي وحده ديون الصين، من 141 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 إلى أكثر من 300 في المائة في 2019. وستعقّد الديون المتضخمة على الصين شقّ طريقها صعوداً من التصنيع المنخفض إلى القيمة العالية، والإنتاج المضاف، كما فعلت كوريا الجنوبية وتايوان بمستويات تنمية مماثلة.

ثم إن الصين معرضة للخطر في مجالي أمن الغذاء والطاقة. فهي تفتقر إلى ما يكفي من الأراضي الصالحة للزراعة لإطعام سكانها، وتستورد نصف نفطها تقريباً من الشرق الأوسط. وفي حال اندلاع أي نزاع، فإن البحرية الصينية لن تكون قادرة على منع قطع الإمدادات الحيوية عنها. ورغم عمل بكين على معالجة هذه المشكلة الأمنية، لا توجد في الأفق حلول سريعة أو سهلة لها.

أيضاً، تواجه الصين عقبات كبيرة لتحقيق طموحاتها الخارجية، في ظل تقديرات استراتيجية تشير إلى أن الجيش الصيني سيبقى مقيداً نسبياً في المدى المنظور في توسيع قدرته خارج محيط الصين المباشر. ويُرجح أن تواجه قيوداً متزايدة في الميزانية على مبادراتها الخارجية الضخمة خلال السنوات المقبلة، بينما تكافح مع اقتصاد يبرد، ومطالب متزايدة من مجتمع يشيخ.

في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة باستقلالية تامة في توفير الطاقة والأمن الغذائي، مع تركيبة سكانية صحية نسبياً، ونظام تعليمي عالٍ هو الأفضل في العالم، وامتلاكها العملة الاحتياطية الأولى في العالم. ورغم محاولة الصين وروسيا العمل معاً على الحد من الاعتماد على الدولار الأميركي، وزيادة استخدام عملتيهما، الروبل واليوان، فمن المستحيل تغطية كل التجارة بين البلدين، وهما لن يتمكنا أبداً من إخراج الدولار من مكانته الأولى داخل شبكة الدفع العالمية، بحسب تشن يي جون عضو الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. ويضيف تشن أن الاستقلال التام مستحيل، وبناء نظام تسوية دولية «سويفت» بديل هو عملية طويلة.

وبجانب ما سبق، الصين مطالبة بالمواءمة بين استخدام القوة والتأثير السياسي والاقتصادي على نطاق عالمي، وهي شروط تعريف «القوة العظمى»، هذا بينما تواجه محيطاً جغرافياً صعباً، ومزاجاً دولياً تصاعدت حدته بعد كارثة الجائحة. ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز «بيو» في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وصلت وجهات النظر السلبية في الصين إلى مستويات تاريخية، ضمن مجموعة متنوعة من البلدان. ومقابل استفادة الولايات المتحدة من محيط جغرافي وحدود سلمية ملائمة، تحيط بالصين 14 دولة، 4 منها مسلحة نووياً، هي الهند وروسيا وباكستان وكوريا الشمالية. كما أن 5 دول «جارة» لديها نزاعات إقليمية لم تحل معها، هي الهند، واليابان، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وفيتنام. ولدى غالبية هذه الدول طموحات سياسية وقومية وهويات وطنية لا تستسيغ التبعية لبكين أو لمصالحها. ثم إن للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً دائم الانتشار في المنطقة، مدعوماً باتفاقيات وقواعد عسكرية تمكنها من الوصول إلى البلدان الواقعة على أطراف الصين. وتعتز الولايات المتحدة باقتصاد يخصص رأس المال بكفاءة، ويعمل تقليدياً على استقطاب الكفاءات العلمية في العالم. وتخطط إدارة بايدن لتخصيص ما يقارب 100 مليار دولار لدعم وتطوير وتشجيع الابتكارات العلمية، في سعي للعودة إلى تخصيص ما يعادل 2 في المائة من ميزانيتها للاستثمار في الثورة التكنولوجية الجديدة، كما كانت خلال مواجهتها للاتحاد السوفياتي، الأمر الذي مكّنها من الانتصار في «حربها الباردة» معه.

– نظرة تاريخية… إلى العلاقات بين العملاقين

> منذ نشأة الصين الحديثة بعد نجاح الثورة التي قادها زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ عام 1949، ساد القلق خياراتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية. إذ اصطفت إلى جانب الاتحاد السوفياتي في الحرب الكورية ضد الولايات المتحدة عام 1950، لتدخل عام 1954 في أول توتر مباشر مع واشنطن ضد تايوان التي نزح إليها «الوطنيون» الصينيون بزعامة تشان كاي شيك مع جيشه. وحين قام الأخير باحتلال جزيرتي كيموي وماتسو، ردّت الصين بقصفهما، لتوقع واشنطن معاهدة دفاعية مشتركة مع تايوان عام 1955 ويهدد الرئيس الأميركي (آنذاك) دوايت أيزنهاور بكين باستخدام السلاح النووي ضدها.

ومع تنامي التوتر بين الصين والولايات المتحدة على خلفية حرب فيتنام، التي انحازت فيها الصين إلى جانب روسيا السوفياتية أيضاً، فجّرت بكين قنبلتها النووية الأولى عام 1964، ناشرة جنودها على طول الخط الحدودي مع فيتنام. لكن مع تعطش الصين للتنمية واختلافاتها في هذا المجال مع السوفيات، فيما عرف باسم «القفزة العظيمة للأمام»، فضلاً عن خلافاتهما الآيديولوجية والأمنية، سحب الاتحاد السوفياتي مستشاريه عام 1960. وبلغت الخلافات بين العملاقين الشيوعيين ذروتها في مناوشات حدودية في مارس (آذار) 1969. لتحل موسكو محل واشنطن كأكبر تهديد للصين، ويساهم الانقسام الصيني السوفياتي في تقارب بكين مع واشنطن. وتوّج هذا التقارب بزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لبكين عام 1972 بعد جهود قادها وزير الخارجية المخضرم هنري كيسنجر، وتتسلم الصين مقعدها الدائم في مجلس الأمن، ويسحب الاعتراف بتايوان.

ورغم إقامة الرئيس جيمي كارتر علاقات دبلوماسية كاملة مع «صين واحدة» عام 1979، حافظت واشنطن على علاقات خاصة ومميزة مع تايوان، جرى حمايتها بقوانين من الكونغرس، ومن بعدها بقانون خاص تحت إدارة رونالد ريغان. ووقّع ريغان عام 1982 على بيان مشترك ثالث مع بكين لتطبيع العلاقات، وقام عام 1984 بزيارة للعاصمة الصينية في ذروة مخاوف واشنطن من التوسع السوفياتي، وسمح للصين بشراء معدات عسكرية أميركية.

ورغم ذلك، شهدت العلاقات الأميركية الصينية مطبات عدة، على خلفية قمع انتفاضة الطلاب الذين طالبوا بإصلاحات ديمقراطية وإنهاء الفساد في ساحة تيان آن مين عام 1989. وقمع واعتقال عدد من المنشقين الصينيين، الذين رُحِّل عدد منهم إلى الولايات المتحدة. لكن الإدارات الأميركية حافظت على ما سماه بيل كلينتون سياسة «المشاركة البناءة» مع الصين. وهو نهج كان مدفوعاً جزئياً برهانات على إمكانية حدوث تحولات سياسية – تبين خطؤها لاحقاً – وبالاستثمارات الأميركية والغربية الضخمة التي وظفت في الصين، ما حوّلها تدريجاً إلى «مصنع العالم»، على ما يطلق عليها اليوم.

كلينتون وقّع على قانون العلاقات الأميركية الصينية عام 2000، ومنح بكين علاقات تجارية طبيعية دائمة مع الولايات المتحدة، ومهد الطريق أمام الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001. وبين عامي 1980 و2004، ارتفع حجم التجارة الأميركية الصينية من 5 إلى 231 مليار دولار. وعام 2006 أزاحت الصين المكسيك كثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بعد كندا. وعام 2008 تفوقت الصين على اليابان لتصبح أكبر حائز لسندات الخزانة الأميركية، بنحو 600 مليار دولار. وأصبح الاعتماد المتبادل المتزايد بين الاقتصادين الأميركي والصيني واضحاً، وهددت الأزمة المالية ذلك العام، الاقتصاد العالمي برمته، ما زاد من المخاوف بشأن الاختلالات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. وعام 2010 حلّت الصين مكان اليابان، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعدما بلغت قيمة اقتصادها 1.33 تريليون دولار، مقابل 1.28 تريليون دولار لليابان. واليوم تشير بعض التقديرات إلى أن الصين في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، بحلول عام 2027. وفقاً لكبير الاقتصاديين في «غولدمان ساكس» جيم أونيل. وفي بداية عام 2011 قالت الصين إن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بلغ 5.88 تريليون دولار لعام 2010، مقابل 5.47 تريليون دولار لليابان. ورغم ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تثق بقدرتها على التنافس مع الصين. فالاقتصاد الأميركي لا يزال أكبر بمقدار 7 تريليونات دولار من الاقتصاد الصيني

Share this Article
آخر الأخبار