مخزون البلاد من القمح اللين الذي يستورده ديوان الحبوب تدهور كثيرا في المدة الماضية ولم يعد يكفي لأكثر من ثلاثة أسابيع. في ظل توقف الشراءات وعمليات التوريد بسبب أزمة السيولة الخانقة التي يعيشها الديوان.
شهر جوان شهد الغاء ادخال شحنات عديدة بسبب عدم توفر التمويل، وبعض البواخر انتظرت لأيام في خليج تونس قبل أن يتم تحويلها لوجهات أخرى.
ديوان الحبوب لم يعد بامكانه الاعتماد على البنوك المحلية التي ترفض كلها اليوم فتح اعتماد لتمويل عملياته بسبب عجزه عن الخلاص.
حسب المعطيات التي تحصلنا عليها، العمليات الأخيرة مع البنك الفلاحي كانت بنسبة فائدة قدرها TMM + 7 أي قرابة 14% (عن طريق السحب على المكشوف عوضاً عن قروض التواصل ). والبنك يرفض اليوم مواصلة تمويل أي عملية أخرى بالنظر الى أن ديون ديوان الحبوب لديه تقارب 2200 مليون دينار.
من حق البنك الفلاحي الحصول على مستحقاته ولكن من المستغرب أن يتشدد البنك المذكور وغيره من البنوك العمومية مع المؤسسات العمومية في الوقت الذي يواصلون فيه منح امتيازات لشركات خاصة في شكل قروض بنسب فائدة ضئيلة ودون ضمانات ولاشخاص في وضعية عجز عن الخلاص ومصنفين في الدرجة الرابعة لدى البنك المركزي (ولنا عودة للموضوع). ديوان الحبوب اليوم لديه مستحقات غير خالصة من الدولة قدرها 1493.4 مليون دينار الى موفى 2020 حسب التقرير حول المنشآت العمومية المصاحب لقانون المالية لسنة 2021 (أساسًا بسبب السياسة التي اعتمدتها حكومة الشاهد في تزييف الوضعية الاقتصادية وترحيل الازمات الى الحكومات اللاحقة وسنعود اليها قريبا).
الوضعية المالية للديوان كارثية تماما ولا أحد يكترث على ما يبدو. وتدهور حوكمة الديوان وسوء التصرف فيه والتلاعب بموارده ومعاملاته زادت الوضعية سوء على سوء ولا أحد يكترث. ديوان الحبوب أعلم المطاحن الكبرى في اجتماع تم تنظيمه في اتحاد الاعراف منذ أيام باستحالة تمكينهم من الكوتا المحددة لهم. وأعلمهم أنه سيتم تمكينهم خلال المدة القادمة من 70٪ فقط من الكوتا. وأنه لا يضمن تواصل تزويدهم بالقمح اللين بعد 22 جويلية القادم.
المطاحن الكبرى بدأت تشهد اضطرابات في توزيع الفارينة. والوضع مؤهل لاضطرابات أكبر في الايام القادمة. الحلول التي يتم تداولها الان للتقليص من الأزمة فاشلة وستزيد في حجم التلاعب بالفارينة المدعمة. مثل خفض كميات الفارينة PS-7 المخصصة للمرطبات والمخابز العشوائية. علما وأن التقديرات تشير الى وجود قرابة 3500 مخبزة تبيع الخبز المدعم ومثل ذلك العدد من المخابز التي تبيع بقية انواع الخبز والمرطبات وتستهلك نظريا الفارينة غير المدعمة .. وفي الواقع هناك يحصل كل أنواع “الترافيك” والتلاعب. نذكر مرة أخرى أن تونس لا تنتج سوى 5% من مقدار استهلاكنا من القمح اللين وتستورد 95% بسبب خيارات اجرامية لأنظمة تابعة تداولت على البلاد التي كانت تسمى “مطمور روما”.
بالارقام: صابة 2021 المجمعة الى حد الان من القمح اللين لا تتجاوز 250 الف قنطار وربما تصل الى 500 الف في نهاية موسم الحصاد. في حين تبلغ حاجتنا الى القمح اللين مليون قنطار شهريا !! المصيبة أنه لا أحد يكترث في الحكومة والرئاسة والبرلمان. وكأن هؤلاء “المسؤولين” ولدوا بعد 3 جانفي 1981 .. ولا يعرفون قيمة الخبز للتونسيين .. ولا يعرفون أن التونسيين صاروا مرتين بعد الاستقلال احداهما كانت ثورة من أجل “الخبر”.
هذه صيحة فزع وتحذير حقيقي قبيل الكارثة. إذًا تواصل التهاون بهذا الموضوع ولم يتم ايجاد حل لتمويل تزويد السوق بالفارينة فورا. فالأكيد أن الأمر لا يتعلق بغفلة أو اختلال أولويات وانما بارادة مقصودة لارباك الأوضاع ادخال البلاد في فتنة لا أحد يعلم كيف يمكن الخروج منها.
مرصد رقابة وجه اليوم طلب نفاذ الى المعلومة الى ديوان الحبوب بخصوص تفاصيل المعطيات وسيواصل الاهتمام بالموضوع”.