لم يكن سقوط نظام الأسد مجرد حدث سياسي، بل كان لحظة فارقة في تاريخ سوريا والمنطقة حيث تنفس كثير من السوريين الصعداء بعد سنوات من القمع والدمار. حتى أولئك الذين حملوا السلاح في وجه النظام كانوا دائما يحلمون بيوم تُطوى فيه صفحة الحرب، ويعود الأمن والاستقرار. لكن وسط هذه الفرحة، تظهر تحديات معقدة تضع البلاد على شفا مجهول مخيف.
بعد نحو شهرين من سقوط الأسد وفي ظل غياب توافق وطني أو انتخابات، تولى أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) رئاسة سوريا بقرار من الفصائل الموالية له، في خطوة قال إنها تأتي ضمن “مرحلة انتقالية” قد تمتد لخمس سنوات. لكنه عمليا بات يسيطر على كل مفاصل السلطة، وكان قبل ذلك قد أعلن تشكيل حكومة من شخصيات متشددة مقربة منه، بعضهم متهم بارتكاب انتهاكات، مثل وزير العدل الحالي الذي أشرف على إعدامات ميدانية لنساء في إدلب بتهمة الزنا قبل سنوات.
ورغم أن كثيرا من الدول بدأت تتعامل بحذر مع الأمر الواقع، فإنها تدرك أن الرجل كان حتى وقت قريب إرهابيا مطلوب دوليا، ما يجعل علاقته بالمجتمع الدولي محل شكوك وتساؤلات حول مستقبل البلاد تحت حكمه.
سوريا الجديدة ليست موحدة تحت قيادة واحدة، فالعشرات من الفصائل المسلحة ما زالت منتشرة، والسلاح متوفر في كل مكان هذه البيئة المشحونة تنذر بصراعات داخلية دامية، خصوصًا مع تصاعد التوترات بين الفصائل المتشددة التي قد تتقاتل فيما بينها على النفوذ ومزاعم إقامة حكم الشرع بمفهوم المتشددين وسط ما يبديه الشرع من انفتاح سيغضب بلا شك كثيرا من المقاتلين الذين يعتبرون انفسهم مجاهدين و سلفيين.
وما يزيد من خطورة الوضع قرارحل الجيش السوري وقوات الأمن، ما أدى إلى تشريد مئات الآلاف من الجنود والضباط، الذين وجدوا أنفسهم بلا شغل ، ما قد يدفع بعضهم إلى الانضمام لحركات التمرد أو الهجرة نحو دول الجوار، وهو ما سيخلق أزمة إنسانية وأمنية جديدة.
وهناك أيضا أزمة الأقليات الدينية والطائفية التي تواجه وضعا حرجا في سوريا ما بعد الأسد، حيث تصاعدت الاعتداءات وتستمر ضد مسؤولين ومنتسبي النظام السابق وانتشرت اعتداءات طائفية رغم محاولة الحكم الجديد الحد من تلك الممارسات ظاهريا على الأقل، غير أن ضبط الفصائل الكثيرة التواقة للانتقام يبدو امرا صعبا
في تونس، يتابع كثيرون المشهد السوري بمزيج من الفرح والحذر فبينما شارك كثير من التونسيين أشقاءهم في سوريا فرحة الخلاص من نظام الأسد، فإنهم يتخوفون من أن تتحول إلى بؤرة للتنظيمات المتشددة، التي لطالما استقطبت آلاف الشباب التونسيين خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من مقتل كثير من هؤلاء في المعارك، لا يزال بعضهم هناك، وعودتهم المحتملة إلى تونس تشكّل تهديدا أمنيا خطيرا
وعودة المقاتلين السابقين قد تعيد شبح الهجمات الإرهابية التي عانت منها تونس في الماضي.
المحصلة أن سوريا اليوم تقف على مفترق طرق تاريخي، وما يحدث فيها لن يؤثر فقط على السوريين، بل على المنطقة والعالم بأسره.
المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، مطالبون بالتحرك العاجل لمنع تحول سوريا إلى قلعة محصّنة للإرهاب، وحماية الأقليات، ودعم مسار سياسي يشمل جميع السوريين دون إقصاء، فسوريا بعد الأسد ليست بالضرورة سوريا المستقرة، فبينما تحمل المرحلة الجديدة آمالا كبرى، فإنها أيضًا تفتح الباب أمام تحديات خطيرة قد تعيد إنتاج الفوضى والعنف، ليس فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأسرها.