منير معروفي مراقب عام لدى الهيئة العليا للطلب العمومي برئاسة الحكومة
الصفقات العمومية والطلب العمومي و الشراء العمومي… كلها مصطلحات مترادفة تحيل على مجموع العمليات التي تتزود من خلالها الدولة بصفة عامة من مؤسسات و بلديات و ولايات…
الصفقات العمومية و الطلب العمومي هو مجموع العمليات المؤدية للتزود، و التزود بسيط و معقد في ذات الوقت، إذ يمكن التزود بكأس أو طاولة، كما يمكن التزود بمطار أو سد… و المتزود يمكن أن يكون بلدية حديثة بدون تأطير و تمويلها محدود، و يمكن أن يكون مؤسسة وطنية كبرى مهيكلة و لها نظام تدقيق و رقابة داخلية… يجب على منظومة الصفقات العمومية أن تأخذ بعين الإعتبار كل هذه العناصر و الإشكاليات..
تقوم الدولة بشراء الأشغال العمومية و الوسائل المكتبية و الخدمات و الدراسات… و الإطار العام الذي يقوم بتنظيم عملية الشراء و عملية البيع من الخواص إلى الدولة هو منظومة الصفقات العمومية، و لكن المنظومة بما أنها تقوم بتنظيم الشراء بأموال المجموعة الوطنية، لا يمكن اختزالها في جملة من الإجراءات الشكلية فقط، لأن الدولة عندما تقوم بعملية الشراء لا تبحث فقط عن أفضل الأسعار و أعلى الجودات.. بل هناك اعتبارات أخرى تدخل في عمليات الشراء، و هي الإعتبارات التنموية.
منظومة الصفقات العمومية تأخذ بعين الإعتبار مسألة تخصيص الطلب العمومي أساسا للمؤسسات الوطنية و المنتوج التونسي. و بالتالي فالطلب العمومي في خدمة التنمية الإقتصادية و المسائل الإجتماعية… كل هذا يؤخذ بعين الإعتبار في منظومة الصفقات العمومية، و قد تشكلت هذه المنظومة منذ الخمسينات و شهدت العديد من المراحل أثناء تطورها، و كانت خاتمة هذه المراحل في سنة 2014 بإعطاء الأمر عدد 1039 الذي نظم الصفقات العمومية، إلى جانب عدة نصوص أخرى، تأخذ بعين الإعتبار الخصوصيات القطاعية و المؤسساتية. هذا هو الإطار العام الذي تمارس فيه الدولة عمليات الشراء، و انطلاقا من حجمه نجد أنه يمثل حوالي 7 آلاف إلى 14 ألف مليار من ميزانية الدولة، و عند إضافة المنشئات العمومية الغير مدرجة في ميزانية الدولة، نصل إلى حوالي 17% من إجمالي الناتج المحلي التونسي، و هذا الحجم الكبير للتدخل العمومي يمكن
أن يكون رافدا من روافد التنمية، و نجد في العالم العديد من التجارب التي أثبتت أن الطلب العمومي كان رافدا أساسيا في الإقلاع الإقتصادي و الإجتماعي لهذه الدول.
منظومة الصفقات منظومة أعمال
يجب أن نضع منظومة الصفقات العمومية في الإطار الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي الذي تعيش فيه. و تعتبر هذه المنظومة منظومة أعمال، و هذه الأعمال لديها بيئة، و البيئة التونسية في فترة العشر سنوات الأخيرة تمثل الإنتقال الديمقراطي، بكل ما تعيشه البلاد من هشاشة على جميع المستويات. منظومة الصفقات العمومية متأثرة، لأن الإدارة فقدت العديد من كفاءاتها بسبب سوء الوضع في تونس. لكن المنظومة في حد ذاتها تقيم من خلال معايير دولية، و عندما قمنا بتطبيق هذه المعايير على أنفسنا سنة 2012 طبقناها بشدة و حزم كبيرين. قمنا بتقييم منظومة الصفقات العمومية، و تم تحديد التوجهات الكبرى لتطويرها، فتخلينا عن الرقابة المسبقة و تبنينا الرقابة اللاحقة، و تملك البلديات اليوم الحق في التصرف بمفردها و حسب إرادتها و اختيارها للقواعد إلى حدود 500 ألف دينار للأشغال. فإذا أرادت إحدى البلديات القيام بمشروع ما، فلها ذلك شرط أن يكون دليل إجراءاتها متصفا بالشفافية و المنافسة و المساواة أمام الطلب العمومي. المنظومة الجديدة التي نسعى لإرسائها لن تكون فيها الرقابة بيد المراقبين، بل ستكون بيد أصحاب المصلحة و نقصد المزودين.. و قد قامت منظومة الصفقات العمومية بوضع هيكل تحت اسم «هيكل هيئة المتابعة و المراجعة في الصفقات العمومية» و يعتبر رأي هذه الهيئة ملزما لكل السلط، و عليه فعندما يتم تقديم شكوى لهذه الهيئة، لن يكون هناك أي تسامح مع هذه المبادئ.
المشكل الأساسي يتمثل في الموارد البشرية، حيث أنه يمكن أن تكون لدينا أفضل منظومة في العالم، و لكن إذا لم تتوفر الكفاءات التي ستقوم بوضع هذه المنظومة حيز التنفيذ، فإن كل شيء سيكون مآله الفشل.
منظومة الصفقات العمومية هي التي قامت ببناء الدولة الوطنية، و رغم كل ما واجهناه من صعوبات، من عدم استقرار سياسي منذ سنة 2010، إلا أن المنظومة في تطور مستمر، و الدليل على ذلك هو أننا الدولة الإفريقية الوحيدة المالكة لنظام شراءات عمومي.