فهمي شعبان رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين:
الباعثين العقاريين في القطاع العام والخاص ساهموا في نحت النسيج العمراني في كامل البلاد. و يتمثل حلم التونسي أساسا في امتلاك مسكن، و هذا حق من حقوقه، و كان امتلاك بيت في الماضي أمرا يسيرا، و لكن منذ سنة 2011 إلى يومنا هذا أصبح هذا الأمر صعبا جدا. فهذا القطاع مستهدف منذ بداية سنة 2012. و منذ ذلك التاريخ تدهورت القدرة الشرائية للمواطن كثيرا، و كان التسجيل في الماضي يتم عن طريق المعلوم القار أي، أي أن ثمن الصفحة 15 دينارا، و كانت هناك نسبة 1% تذهب لحافظ الملكية العقارية. و لكن تم تغيير التسجيل فأصبح يتم عن طريق المعلوم التصاعدي. و قد تم في سنة 2013 رفع الدعم عن مواد البناء، و سيتم في المستقبل القريب الترفيع في سعر الإسمنت بنسبة عشر دنانير للطن الواحد. و ما شهدناه مؤخرا هو تدهور قيمة الدينار التونسي أمام العملة الصعبة كاليورو و الدولار، و أكثر المواد الخام و المواد المصنعة 100% بالخارج يتم استيرادها. زد على ذلك ارتفاع أسعار المحروقات، كما ارتفعت أسعار رخص البناء مرة و نصف بالمقارنة مع سنة 2011. كما ارتفع ثمن استغلال أشغال الطريق العام، إذ كان ثمن استغلال المتر الواحد 500 مليم ليصبح اليوم في حدود الخمسة دنانير، و تختلف هذه التسعيرة حسب المناطق… كما تضاعف أجر اليد العاملة ثلاث مرات، زد على ذلك ارتفاع أسعار الأراضي.
هناك العديد من الأراضي التي تضاعفت قيمتها المالية بمقدار 20 مرة منذ سنة 2011 إلى يومنا هذا. كل هذه الظروف ساهمت في ارتفاع كلفة العقارات و كلفة الفائدة المديرية التي بلغت نسبة 7.85، كما ارتفعت نسبة فائدة المصارف و التأمينات و العمولات المصرفية… و بالتالي فنسبة الفائدة البنكية قد تصل إلى 13%. و القدرة الشرائية للمواطن تراجعت كثيرا. و الباعث العقاري نفسه يدفع للمصرف نسبة 7.85 عند اقتناء أرض بتمويل مصرفي، و في حالة التأخر في عملية الإنجاز تصبح هناك فائدة مركبة.
كنا في السابق نقوم ببناء شقة بكلفة 100 ألف دينار، أما اليوم فقد تضاعفت هذه الكلفة، و هي لا تزال تتجه نحو الإرتفاع أكثر فأكثر، و ذلك بسبب تدهور قيمة الدينار. و يعتبر الباعث العقاري رأس قاطرة قطاع البناء، إذ يسهر على تشغيل ما يفوق ال300 مهنة و نشاطا، فحين يبدأ الباعث العقاري في تركيز عملية البناء فإنه يشغل مهندسا معماريا، و جميع أصناف المهندسين، كما يشغل مكاتب المراقبة و المزوقين و المحامين و غيرهم… و لكن للأسف اليوم لم نجد أي رؤية واضحة من الدولة تخص بها هذا المجال. يجب على الدولة أن تخفض للمواطن في نسبة الفائدة المديرية، و أن تعيد التسجيل باستعمال المعلوم القار لا التصاعدي، كما يجب إلغاء ضريبة القيمة المضافة.
التزمنا في حكومة السيد يوسف الشاهد ببرنامج المسكن الأول، و كنا قد ساهمنا في إعداده بشكل كبير جدا، لكن للأسف كانت هناك العديد من الإجراءات المجحفة. و خرج الأمر في 31 جانفي 2017 بوجود شروط اعجازية، و كنا قد عارضنا هذه الشروط لأنها ستكون ثقيلة جدا على كاهل المواطن، فتم استثناء العازب و العزباء و المطلق و الأرملة، و كانت هناك العديد من الإجراءات التي عطلت هذا البرنامج. و لكن التزامنا ببناء ما يقارب الثمانية آلاف مسكن، و كنا قد خصصنا لهذا المشروع في قانون المالية لسنة 2017 مبلغ 200 مليون دينار كخط تمويل. و لكن بعد كل هذه المساهمات و الجهود المضنية توقف البرنامج تماما! زد على ذلك أن الباعث العقاري غير قادر على تحمل نسبة 6%، لأنه لم يعد يملك هامش ربح في هذه السنوات الأخيرة، لذلك تم فرضها على المواطن. فكم سيتحمل المواطن المسكين!.
الطبقة الوسطى عاجزة عن اقتناء مسكن
عندما يشتغل الباعث العقاري، و يجني الكثير و الكثير من الأموال، فإنه في ذات الوقت يساهم في تنشيط إقتصاد الدولة و النسيج الصناعي، و المقاولات لا تتعلق فقط بمجال البناء، بل نجد في هذا المجال العديد من التفرعات… و المقاولات في نهاية المطاف مؤسسة
اقتصادية، و لا بد لها من أن تكون مربحة. و لكن الباعث العقاري لا يكتفي بتحقيق الأرباح الشخصية، بل يساهم زيادة على ذلك في خلق الثروة، و توفير مواطن الشغل، و تنشيط النسيج الصناعي، و بالتالي فكل هذه المردودية تعود بالنفع على كامل الدولة التونسية، من خلال الجباية و التجارة مع الأجانب التي تدر على الدولة العملة الصعبة.
الطبقة الوسطى اليوم غير قادرة على شراء مسكن، و هذا بسبب التدهور المستمر للدينار التونسي، و ارتفاع أسعار مواد البناء، حيث تضاعف سعر الآجر منذ سنة 2011 ثلاث مرات، و نفس الشيء بالنسبة لبقية المواد، و بالتالي فالباعث العقاري غير مسؤول عن ارتفاع أسعار المساكن.
في قانون المالية لسنة 2018 تم توظيف ما يسمى بالمعلوم على الإستهلاك لمربعات الخزف ب10%. و 25% يتم توظيفها على الرخام، كما أن هناك زيادة في أسعار المحروقات و النقل… و كل هذا يعود سلبا على المتلقي الأخير و هو المواطن.
و يشكو القطاع الخاص و العام اليوم من عدة صعوبات، حيث أننا كنا في الماضي نقوم ببناء ما يقارب ال6000 آلاف مسكنا، بين القطاعين العام و الخاص، أما اليوم فلم نستطع تجاوز حاجز ال700 مسكنا، و ذلك بسبب ارتفاع تكاليف البناء و الأراضي… و عند تضييق الخناق على البعث العقاري، فإن الدولة بذلك تقوم بالتشجيع على ظاهرة البناء العشوائي، التي تضاعفت أربع أو خمس مرات منذ سنة 2011، و بالتالي فالدولة هي السبب الرئيسي في هذا التسيب، ذلك أنها ألغت تسجيل المواطن في البعث العقاري عن طريق المعلوم القار، من ما دفع المواطن إلى اللجوء للبناء الفوضوي و العشوائي. و بالتالي فالنظام الجديد الذي نسعى لتركيزه بالشراكة مع البنك المركزي، لا تتجاوز فيه نسبة الفائدة المديرية الخاصة بالسكن 5% ككل.