نظم منتدى الجمهورية ندوة حول “دور الميزانية و السياسة النقدية في مسار الإنقاذ و التنمية” جمعت عددا من الخبراء و المختصين لتقديم آرائهم و تصوراتهم للخروج من الأزمة الاقتصادية، وكان محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس المركز الدولي “الهادي نويرة للاستشراف والدراسات التنموية” توفيق بكار أحد المشاركين في هذا الملتقى.
في هذا المقال سنسلط الضوء على أهم ما جاء في مداخلاته.
* النجاح التونسي في مجال الخوصصة و بعض المؤسسات خط أحمر
تحدثت كثيرا عن خصوصه المؤسسات وكل ما يتعلق بالإصلاحات، ومن المنتظر أن أقدم قريبا كتابا يتضمن 250 صفحة، منهم 150 صفحة تتعلق بالإصلاحات منها إصلاح المؤسسات العمومية.
وجمعني نقاش مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي أتفق معه في أن مسألة تخصيص المؤسسات خط أحمر.
أنا أعتبر أن تخصيص الشركة التونسية للكهرباء و الغاز والديوان الوطني للتطهيرو الشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه خط أحمر، لكن هذه المؤسسات لا يمكنها المواصلة هكذا، و لا يمكن المحافظة عليها بسبب وضعيتها المادية، حيث يبلغ دين بعض المؤسسات 30 مليار دينار والدولة لا يمكنها مساعدتها أو اصلاحها، وانتم تلاحظون تردي الخدمات بسبب غياب الاستثمار.
و لكن هناك مؤسسات يمكن خوصصتها، فعندما توليت منصب وزير التنمية كنت مساهما في اكبر عملية تخصيص طالت شركة الاسمنت، وتم تحويل عائدات تخصيصها نحو تهيئة الطرقات، و اليوم شركة الاسمنت المخصصة اكثر وطنية و نفعية.
تونس لديها قصص نجاح في ما يتعلق بالتخصيص حتى على المستوى الاجتماعي، فبنك الجنوب مثلا تم تخصيصه لكن تم المحافظة على العاملين به، بل تم خلق مواطن شغل جديدة حيث ارتفع عدد العاملين به من 1400 إلى 4000 عامل، واليوم يعتبر التجاري من افضل البنوك في تونس، وبالتالي انا اقترح تخصيص المؤسسات التي يمكن خوصصتها و إنشاء صندوق خاص بالمؤسسات العمومية تضخ فيه عائدات المؤسسات القابلة للتخصيص لإصلاح المؤسسات الغير قابلة للتخصيص.
الوضع ما قبل 2011 كان ورديا.
اردت توضيح ما يتعلق بإحدى المداخلات التي اعتبرت اننا قدمنا الوضع ورديا ما قبل 2011، و أقول في المجال الذي نتحدث فيه بالفعل الوضع كان ورديا فالبلاد لا يمكنها ان تتقدم الا بالاقتصاد، ربما لا نعرف قيمة التصنيف ضمن مجموعة A و هي مجموعة البلدان المتطورة، صحيح كنا -Aلكن في أكتوبر 2010 اعلمتنا موديز أنه سيتم تصنيفنا ضمن A، لكن للأسف وقع ما وقع ولم يتم ذلك.
انا أخير ان أكون مستقلا على مستوى سوق المالية و “امك صنافة” على ان أكون غير مستقل عن الدولة، هذه او تلك او صندوق النقد الدولي الذي تعاملت معه عشرات السنين وفضلت التعامل مع السوق المالية من خلال المشاركة في منتديات الاستثمار وتقديم برامج فتطلب مبلغا قدره 500 و تنال مبلغ 1500 وكان لدينا خبراء يقومون بتحديد شروط لا بد من توفرها في المستثمرين ابرزها الجدية و الكلفة المنخفضة لتونس، وبالتالي في هذا المجال الوضع كان ورديا، لكن هذا لا ينطبق على جميع المجالات، فمثلا في مجال التنمية الجهوية كان بإمكاننا ان نعمل بشكل افضل.
لا بد للجميع أيضا أن يعرفوا ان اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الممضاة سنة 1990 انتهت بحلول سنة 2007 فاصبحنا اكثر انفتاحا، ثانيا الأزمة المالية العالمية التي وان لم تؤثر فينا بشكل مباشر إلا أنها اثرت فينا من خلال تراجع النمو العالمي وكذلك من خلال انعكاساتها على بعض المشاريع الكبرى و تأثيرها على نسبة النمو التي تراجعت الى 3% هذا و لا يمكننا ان ننسى ان خريجي التعليم العالي بلغ عددهم 85 الفا سنة 2010 وهو اعلى عدد تاريخيا، و اجزم انها المرة الأولى و الأخيرة. بالتالي يمكننا القول ان الظرفية العالمية في السنوات العشر الأخيرة افضل بكثير من الظرفية العالمية ما قبل 2011 اذا ما استثنينا الكوفيد والحرب الروسية الاوكرانية، فبعد 2010 لم يكن هناك ارتفاع مشط لأسعار البترول، كذلك الضغط على طلبات الشغل اضعف بكثير مما كان قبل 2010 فضلا عن الإعانات التي تلقتها الدولة في اطار دعم ثورات الربيع العربي وغيره التي كان من الممكن ان تغير وتنهض بالواقع الاقتصادي.
أؤكد أن سنة 2023 امتداد لأخطاء ما بعد 2011 فالمتأمل اليوم يستغرب ارتفاع الميزانية من 18 مليار الى 71 مليار و من 22%من الناتج الداخلي الخام الى %48 وهو فشل ذريع على مستوى الحوكمة و على المستوى الاقتصادي والمالي.