الإجراءات المرهقة و الحوكمة القديمة تَكسِرُ الإقتصاد التونسي 

أكد الخبير في تقييم السياسات و المشاريع الاقتصادية السيد “معز السوسي” على هامش حوار لإحدى الصحف التونسية، بعض الشركات العمومية تعاني من صعوبات مالية منذ عدة سنوات، و حتى خطط التعافي الموضوعة لمساعدة هذه الشركات لم تسفر حتى الآن عن النتائج المتوقعة.

 

* أسباب تردي الوضع المالي في تونس 

في البداية يجب التأكيد على أن معظم المؤسسات العمومية تعمل في مجال الأنشطة الرئيسية التي تمكن الدولة من تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بتوفير الخدمات الأساسية مثل النقل والصحة و الإسكان… وتوريد المنتجات الاستراتيجية كالكهرباء والماء ومواد البناء والأسمدة…

منذ الستينيات أنشأت الدولة نسيجًا من المؤسسات العامة من أجل تشكيل نواة للصناعات التحويلية التي ينبغي أن تحدث آثارًا غير مباشرة على الأنشطة الأخرى والتي ينبغي أن تشارك في إنشاء ريادة أعمال وطنية قادرة على تولي زمام الأمور في المستقبل.. في هذا السياق تم بناء:

الفولاذ في منزل بورقيبة، السليلوز في القصرين، صناعة السكر بباجة… وبعد ذلك بقليل تم بناء مركز الصناعة الكيميائية بقابس.

مثلت هذه الصناعات في فترة ما من تاريخ تونس فخرا عظيما كان له دور كبير في الانطلاقة الإقتصادية التونسية، و لكن بعد مرور نصف قرن أصبحت هذه المؤسسات تمثل عبئا جد ثقيل على كاهل الدولة و المجتمع، بسبب الحياد عن أداء المهام القديمة، فعوض أن تدفع هذه المؤسسات الإقتصاد و تطوره، أصبحت و للأسف الشديد تسحبه إلى الخلف و تورطه في عدة مشاكل قد يستحيل مستقبلا حلها.

يبلغ عدد المؤسسات العمومية التونسية في الوقت الحاضر 110 مؤسسة، منها 64 في شكل شركات عامة محدودة، و 46 في شكل مؤسسات عامة غير إدارية. و تملك الدولة في 71 شركة حصصاً مباشرة، وتشارك في الـ 39 شركة المتبقية من خلال الهيئات العامة المحلية والمؤسسات العامة غير الإدارية والشركات التي تملك الدولة رأسمالها بالكامل.

و لمعرفة مدى تضرر هذه الشركات ماليا و اقتصاديا يكفي أن ننظر إلى مؤشرين:

1- مشاركة هزيلة في الإيرادات غير الضريبية للدولة لا تتجاوز 23 ٪ وفقًا لقانون المالية 2023.

2- ارتفاع الديون المستحقة للدولة، حيث بلغت 6149.7 مليون دينار في عام 2020 إلى ما يزيد قليلاً عن 10٪ من ميزانية الدولة في نفس العام.

 

* أهم المشاكل المالية و الإقتصادية التي تواجهها البلاد في الظرف الحالي 

يمكن تحديد عدة أنواع من المشاكل لكن الأكثر شيوعًا منها يتعلق بعدم قدرة الدولة على التوفيق بين الأهداف الاقتصادية للأداء و الكفاءة، و الأهداف الاجتماعية للرفاه والسلم الاجتماعي.

أدى تداخل الأدوار وتضارب الأهداف إلى زيادة البيروقراطية الساحقة، وفي بعض الحالات أدى التداخل والتدخل الخارجي إلى إضعاف المؤسسات العمومية وعدم قدرتها على التطور ووضع نفسها في تناغم مع الابتكار والتقدم التقني في عالم تكون فيه الاستجابة والمرونة واغتنام الفرص هي مفاتيح النجاح، إلا أن الشركات العمومية تجد نفسها غارقة في الإجراءات المرهقة والحوكمة القديمة على النحو المنصوص عليه في القانون 1989-9.

 

* بعض أسباب فشل الشركات 

من أهم المشاكل المتسببة في فشل الشركات، الأسباب الاقتصادية (السوق والتسعير) ، الأسباب التنظيمية (البيروقراطية) ، الأسباب الإدارية (نمط الحوكمة) ، مشاكل المالية العامة (عدم وجود حيز في الميزانية للدعم وتأخير أو عدم تحصيلها من قبل الدولة) وضعف التعايش بين القطاعين العام والخاص (المنافسة غير العادلة).

 

* إجراءات دعم ومساعدة الشركات المتضررة من الأزمة

تخضع الشركة العامة مثلها مثل الشركة الخاصة لتأثير العوامل الخارجية، خاصة في سياق الأزمة، و للأسف لم تقدم الدولة مساعدات مادية محددة للمؤسسات العامة للتعامل مع الأزمة.

من ناحية أخرى تتدخل الدولة لمنح ضمان ديون لشركات معينة حتى تتمكن من الوصول إلى الأسواق المالية الخارجية، كما هو الحال في عام 2021 مع الجمعية التونسية للصناعات الدوائية، و الطرقات السريعة في تونس.

 

 

بلال بوعلي

Read Previous

نقابة الفلاحين: “كل المنتوجات ستكون متوفرة خلال شهر رمضان “

Read Next

الثلب والقذف والتحريض والتعدي على الصحفي.. أهم تهم شكوى نقِيب الصحفيين ضِدّ وفاء الشاذلي

Most Popular

آخر الأخبار