خصوصية التضخم في تونس

لقد شهدت تونس في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وقلقهم بشأن المستقبل الاقتصادي. في هذا التحليل، سنقوم بتعميق فهمنا لظاهرة التضخم في تونس، وتأثيراتها على الاقتصاد والمستهلك، بالإضافة إلى تقديم بعض التوضيحات حول المفاهيم الاقتصادية المتعلقة بهذا الموضوع.

ما هو التضخم؟

التضخم هو ارتفاع مستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات على مدار فترة زمنية معينة. بعبارة أخرى، عندما يرتفع التضخم، فإن نفس المبلغ من المال يشتري كمية أقل من السلع والخدمات مقارنة بفترة سابقة. وهذا يعني انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية.

أسباب التضخم في تونس

هناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع التضخم في تونس، منها:

زيادة الطلب: ارتفاع الطلب على السلع والخدمات، خاصة مع زيادة الدخول أو التسهيلات الائتمانية، يؤدي إلى نقص المعروض وارتفاع الأسعار.

ارتفاع تكاليف الإنتاج: زيادة تكاليف المواد الخام والطاقة والأجور تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يدفع الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها.

ضعف الدينار التونسي: انخفاض قيمة الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأخرى يزيد من تكلفة استيراد السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في السوق المحلية.

السياسات النقدية: قد تساهم السياسات النقدية التيسيرية، مثل زيادة حجم النقود المتداولة، في زيادة الطلب الكلي وزيادة الضغوط التضخمية.

تأثيرات التضخم

انخفاض القوة الشرائية: يؤدي التضخم إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، مما يقلل من قدرتهم على شراء السلع والخدمات الأساسية.

زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء: يتأثر الفقراء بالتضخم بشكل أكبر، حيث تشكل السلع الأساسية نسبة أكبر من إنفاقهم.

عدم الاستقرار الاقتصادي: يؤدي التضخم إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يزيد من عدم اليقين لدى المستثمرين ويهدد النمو الاقتصادي.

العلاقة بين التضخم ومعدل تغير الأسعار

من المهم التمييز بين التضخم ومعدل تغير الأسعار. التضخم يشير إلى الاتجاه العام لأسعار السلع والخدمات على المدى الطويل، بينما معدل تغير الأسعار يشير إلى التغيير في الأسعار خلال فترة زمنية محددة. قد يشهد الاقتصاد فترات من ارتفاع الأسعار وانخفاضها، ولكن إذا كان الاتجاه العام هو الارتفاع المستمر، فإن هذا يشير إلى وجود تضخم.

ماذا عن انخفاض معدل التضخم؟

عندما ينخفض معدل التضخم، فهذا يعني أن أسعار السلع والخدمات ترتفع بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في السابق. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأسعار ستنخفض، بل قد تستمر في الارتفاع، ولكن بمعدل أقل.

سياسات مكافحة التضخم

تتضمن السياسات المتبعة لمكافحة التضخم:

السياسات النقدية: رفع أسعار الفائدة، تقليل حجم النقود المتداولة.

السياسات المالية: تقليل الإنفاق الحكومي، زيادة الضرائب.

السياسات الهيكلية: تحسين بيئة الأعمال، زيادة الإنتاجية.

التضخم ظاهرة معقدة تتأثر بعوامل متعددة، وتؤثر بدورها على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. لفهم أسباب التضخم في تونس وتأثيراته، يجب النظر إلى الصورة الكاملة والتحليل الدقيق للعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

تحليل متعمق لظاهرة التضخم الركودي في تونس

لقد شهدت تونس في السنوات الأخيرة تدهوراً ملحوظاً في أوضاعها الاقتصادية، حيث تفاقمت أزمة التضخم بشكل كبير، مترافقة مع تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. هذه الظاهرة المعقدة، المعروفة باسم “التضخم الركودي”، تستدعي تحليلاً دقيقاً لفهم أسبابها وتداعياتها، واقتراح حلول عملية للخروج من هذا المأزق.

ما هو التضخم الركودي؟

التضخم الركودي هو حالة اقتصادية تتسم بارتفاع معدلات التضخم في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد تباطؤاً في النمو أو حتى ركوداً. بعبارة أخرى، ترتفع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، بينما ينخفض الإنتاج وتزداد البطالة. هذه الظاهرة تبدو متناقضة، ولكنها تحدث عندما تتداخل عدة عوامل اقتصادية معقدة.

أسباب التضخم الركودي في تونس

صدمات خارجية: تأثرت تونس بشكل كبير بالأزمات الاقتصادية العالمية، مثل ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، وتداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج وتقليص الطلب على الصادرات.

سياسات اقتصادية غير متوازنة: اتباع سياسات اقتصادية تقليدية، مثل التركيز على ضبط العجز المالي وتثبيت سعر الصرف، دون مراعاة الظروف الاقتصادية المتغيرة، قد يساهم في تفاقم التضخم الركودي.

هيكل اقتصادي هش: يعتمد الاقتصاد التونسي بشكل كبير على عدد محدود من القطاعات، مما يجعله عرضة للصدمات الخارجية والتغيرات في الطلب العالمي.

ضعف الإنتاجية: انخفاض الإنتاجية في العديد من القطاعات يحد من قدرة الاقتصاد على النمو والتكيف مع التغيرات.

فساد وتهرب ضريبي: انتشار الفساد والتهرب الضريبي يقلل من الإيرادات العامة ويؤثر سلباً على الاستثمار.

تأثيرات التضخم الركودي على تونس

تآكل الطبقة الوسطى: يؤدي التضخم الركودي إلى تآكل الطبقة الوسطى، حيث تفقد قدرتها الشرائية على شراء السلع والخدمات الأساسية.

زيادة الفقر واللامساواة: يزداد الفقر واللامساواة الاجتماعية، حيث يعاني الفقراء بشكل أكبر من ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل.

هجرة الشباب: يدفع الشباب المؤهل إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل أفضل، مما يؤدي إلى فقدان البلاد لكفاءاتها.

تدهور البنية التحتية: يؤدي انخفاض الإيرادات العامة إلى تدهور البنية التحتية وتقليل الاستثمار في الخدمات العامة.

عدم الاستقرار السياسي: قد يؤدي التدهور الاقتصادي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما يزيد من تعقيد الأزمة.

حلول مقترحة

سياسات مالية ونقدية متوازنة: يجب على الحكومة والبنك المركزي تنسيق السياسات المالية والنقدية لمعالجة أسباب التضخم الركودي، مع التركيز على دعم النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

الإصلاحات الهيكلية: يجب تنفيذ إصلاحات هيكلية جوهرية لتعزيز تنافسية الاقتصاد التونسي، مثل تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد.

دعم القطاع الخاص: يجب توفير بيئة جاذبة للاستثمار الخاص، وتشجيع إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

الاستثمار في التعليم والتكوين: يجب الاستثمار في التعليم والتكوين المهني لرفع مستوى الكفاءات وتلبية احتياجات سوق العمل.

تطوير القطاع الزراعي: يجب تطوير القطاع الزراعي لزيادة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

التوجه نحو الاقتصاد الأخضر: يجب التحول نحو اقتصاد أخضر مستدام، يعتمد على الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة.

رضا الشكندالي: نظرة موضوعية واقعية في التضخم والتضخم الركودي اللذان ينهشان الإقتصاد التونسي

قال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أنه إذا ارتفع معدل التضخم مقارنة بالشهر السابق، وهذا يعني أنه إذا كان التضخم في الشهر الماضي 6.7%، فارتفاعه في سبتمبر يعني أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير وسريع. والعكس صحيح، إذا انخفض معدل التضخم، فهذا لا يعني أن الأسعار انخفضت، بل يعني فقط أن معدل ارتفاعها تباطأ، ولكن الأسعار في النهاية تستمر في الارتفاع.

عندما يتراجع معدل التضخم، لا يعني ذلك بالضرورة أن الأسعار تتراجع، بل يعني أن معدل ارتفاعها أصبح أقل. الأسعار تتراجع فقط عندما يصبح معدل التضخم سالباً، وهذا أمر نادر الحدوث.

لنفهم الوضع في تونس بشكل أفضل، دعونا نعود إلى مارس 2021 عندما كان معدل التضخم منخفضاً جداً.

منذ ذلك الحين، بدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير جداً حتى وصل إلى ذروته في فيفري 2023. هذا الارتفاع السريع في التضخم يعني أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، ولكن معدل هذا الارتفاع بدأ يتباطأ الآن، رغم أن الأسعار لا تزال في ارتفاع مستمر.

باختصار، انخفاض معدل التضخم لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار، بل يعني فقط أن معدل ارتفاعها أصبح أقل. ومع ذلك، فإن المستهلكين يشعرون بارتفاع الأسعار في حياتهم اليومية، حتى لو كان معدل التضخم قد انخفض قليلاً.

على الرغم من أن البنك المركزي يزعم بنجاحه الكبير في مكافحة التضخم، إلا أن الحقيقة مختلفة تمامًا. فجميع الدول، مهما كانت متقدمة، تعاني من التضخم بدرجات متفاوتة. والحقيقة أننا نواجه ما يسمى بـ “التضخم الركودي”، وهي حالة اقتصادية خطيرة تتميز بارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي في نفس الوقت.

هذا يعني أننا نشهد ارتفاعًا في الأسعار، ولكن مع انخفاض في القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة البطالة. وهذا يؤدي إلى تفاقم الفقر وزيادة التفاوت الاجتماعي.

التضخم الركودي هو من أخطر الأزمات الاقتصادية التي تهدد استقرار الدول، ويجب ألا نقارن وضعنا بوضع دول أخرى، لأن كل دولة لها ظروفها الخاصة.

ببساطة، التضخم الركودي يعني:

ارتفاع الأسعار: تكلفة المعيشة تزداد بشكل مستمر.

تباطؤ النمو الاقتصادي: انخفاض الإنتاج وزيادة البطالة.

انخفاض القوة الشرائية: الأموال لا تشتري نفس الكمية من السلع والخدمات.

زيادة الفقر: انتشار الفقر والحرمان بين المواطنين.

أسباب هذا الوضع:

فشل السياسات الاقتصادية: قد تكون السياسات المتبعة لمكافحة التضخم غير فعالة أو غير مناسبة.

صدمات خارجية: مثل الأزمات العالمية أو ارتفاع أسعار المواد الخام.

هيكل الاقتصاد: قد يكون الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على قطاع واحد أو عدد محدود من القطاعات.

حلول مقترحة

سياسات مالية ونقدية سليمة: يجب على الحكومة والبنك المركزي اتخاذ إجراءات فعالة لتنشيط الاقتصاد وخفض التضخم.

تنويع الاقتصاد: تقليل الاعتماد على قطاع واحد وزيادة الاستثمار في القطاعات الأخرى.

دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة: لخلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاج.

حماية الطبقات الفقيرة: من خلال تقديم الدعم المالي والاجتماعي.

التضخم الركودي يمثل تحدياً كبيراً لتونس، ويتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني للخروج من هذه الأزمة. يجب على الجميع العمل معاً لوضع خطة إصلاح شاملة تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة وتضع تونس على مسار النمو المستدام.

بلال بوعلي

Read Previous

Les Perspectives Mondiales et Tunisiennes sur le Marché des Énergies : Défis et Opportunités

Read Next

في خطوة جريئة و قوية.. تونس تُقَيّد استخدام التيكتوك بما يتماشى مع العرف المجتمعي

Most Popular

آخر الأخبار