عاشت الساحة الرياضية التونسية في الأيام الأخيرة على وقع “صدمة عنيفة” إثر فشل الترجي الرياضي التونسي في بلوغ نهائي دوري أبطال إفريقيا، بعد أن عجز عن تحقيق النصر في مواجهة نصف النهائي. هذا الإقصاء لم يمرّ مرور الكرام، إذ سرعان ما تعالت الانتقادات من جماهير الأحمر والأصفر، وبدأت القراءات المتعددة لأسباب السقوط القاري تتناقل عبر مختلف المنصات الإعلامية.
لكن، وفي خضم هذه العاصفة من الغضب الشعبي المشروع، برز منحى جديد في الخطاب العام، قاده عدد من الصفحات والوجوه الإعلامية المقربة من دوائر القرار داخل النادي، محاولين توجيه الرأي العام بعيدا عن جوهر الأزمة التي يعيشها فريق بحجم الترجي، والذي لطالما عُرف بثباته القاري والمحلي وهيبته الرياضية.
فقد تم الترويج لأسباب واهية وغير واقعية كمبررات للإقصاء، منها الحديث عن “اللافتات التي رفعتها الجماهير دعما للقضية الفلسطينية”، والادعاء بأن “هدف الفريق تم إلغاؤه بدافع التسلل بشكل تعسفي”، وهو ما يمكن وصفه بعملية صرف انتباه ممنهجة تسعى لتغييب النقاش الحقيقي حول الأسباب الفعلية للفشل.
ومن الواضح أن هناك “نية مبيّتة” للتستّر على سلسلة من الإخفاقات داخل الهيكل الإداري والفني للفريق. فغياب الانتدابات الناجعة، وتذبذب أداء الجهاز الفني، إضافة إلى قرارات الإدارة الفنية التي افتقرت للحكمة في محطات مفصلية، كلها عوامل حقيقية تستدعي النقاش والمساءلة. ومع ذلك، يبدو أن هناك من لا يزال يفضّل لعب ورقة الإلهاء بدل تحمل المسؤولية.
إن ما يعيشه الترجي الرياضي التونسي اليوم ليس أزمة نتائج فقط، بل أزمة حوكمة ورؤية وتواصل مع الجماهير، التي تظل، رغم كل شيء، الطرف الأكثر إخلاصا للنادي والأكثر حرصا على استعادة أمجاده.
جماهير الوفاء… بين خيبة الأمل والأمل المتجدّد
رغم قساوة الإقصاء، لم يكن ردّ فعل جماهير الترجي مجرّد موجة غضب عابرة. بل كان تعبيراً صريحاً عن الوعي العميق بطبيعة الأزمة، ورفضاً لمحاولات “التسويق الوهمي” لتبريرات واهية لا تليق بتاريخ الفريق ولا بحجم انتظاراته. فقد عبّر عدد كبير من أنصار النادي، سواء في الملعب أو عبر المنصات الرقمية، عن استيائهم من السياسات العشوائية التي باتت تميز المرحلة الأخيرة.
جماهير الترجي، التي عوّدت الفريق على الدعم اللامشروط، رفعت هذه المرة الصوت عالياً مطالبة بإصلاحات جذرية تشمل تركيبة الهيئة المديرة، وفتح ملف الانتدابات، وتقييم عمل الجهاز الفني على أسس مهنية وشفافة. ولم تكتف بذلك، بل أطلقت دعوات إلى ضرورة مراجعة منظومة التسيير كاملة، بما في ذلك طريقة التواصل مع الجماهير، التي شعرت بأنها تُعامل كأداة للترويج وليس كشريك حقيقي في مسار النادي.
المستقبل؟ بين التغيير الضروري والفرصة الأخيرة
الموسم الحالي قد يشكّل لحظة مفصلية في تاريخ الترجي الرياضي التونسي. فإما أن يكون صدمة إيجابية توقظ الإدارة من سباتها، وتدفعها لمصارحة الذات وتصحيح المسار، أو يكون بداية انحدار تدريجي إذا تم التمادي في سياسة المكابرة والتبرير.
المطلوب اليوم هو خطاب شجاع وقرارات جريئة: مراجعة فنية شاملة، ضخ دماء جديدة في التركيبة الإدارية، الاستثمار في المواهب الشابة، وتعزيز الشفافية في علاقة النادي بجماهيره. كما أن من الضروري وضع استراتيجية طويلة المدى، تبتعد عن الحلول الترقيعية، وتُعيد للفريق بريقه التنافسي إفريقياً ومحلياً.
لعلّ الأزمة تحمل في طياتها فرصة لإعادة البناء. لكن هذه الفرصة لن تُغتنم ما لم يُدرك أصحاب القرار أن هيبة الترجي لا تُصان بالشعارات، بل بالعمل الجاد، والتخطيط المحكم، والاحترام الحقيقي لجماهير تستحق الأفضل.