الدكتور محمد بالكحلة عالي القدر و القيمة في فرنسا و كندا و أمريكا… و مهضوم الجانب في تونس…!
عرض على الحكومة مشروعا لتشغيل آلاف المهندسين و الإطارات… لكن المشروع « نام » بسبب البيروقراطية و اللامبالاة…!!
علومه في الطب و الفلاحة و الماء و الكهرباء ستقفز بتونس 10 سنوات إلى الأمام و لكن…؟
ولد الدكتور محمد بن خليفة بالكحلة يوم 14 جوان 1967 بسوسة. و قد زاول تعليمه الابتدائي بمدينة طبلبة (مسقط رأس والده السيد خليفة بالكحلة) و كان الاول على ولاية المنستير في مناظرة « السيزيام » سنة 1979. أما المرحلة الثانوية فقد كانت بطبلبة و فاز بالمرتبة الاولى في الجمهورية في الباكالوريا (شعبة رياضيات و علوم). و قد تحصل آنذاك على منحة دراسة بالخارج و خيّر بين امريكا و فرنسا فنزل عند رغبة والده و اختار فرنسا حيث التحق بمدرسة المهندسين العليا التحضيرية بمدينة « فرساي ».
من الطب إلى الهندسة؟
يقول السيد محمد بالكحلة: «كنت أرغب في دراسة الطب لكنني « أجبرت » تقريبا على اختيار الهندسة نظرا إلى انها كانت الوحيدة المتوفرة. فبعد سنتين في « فرساي » انتقلت إلى « تولوز » في اختصاص هندسة الالكترونيك. و تخرجت سنة 1992 في اختصاص معالجة الإشارة والصورة و فيها تطبيقات عديدة مدنية و عسكرية و طبية. و قد حظيت بفرصة عمل في شركة « فيليبس » في خطة مزدوجة بين تونس و فرنسا لكن والدي أصر على ان أتمم دراستي رغم الراتب المغري جدا حتى لو أدى به الأمر إلى بيع أرضه. و لحسن الحظ أني استرجعت المنحة التي أسندتها إليّ وزارة التعليم العالي الفرنسية و رفضتها نظرا إلى حصولي على المركز الاول في اختصاصي بمدينة « تولوز »، علما بأن وزارة التعليم العالي التونسية رفضت إسنادي منحة سنة 1992 بدعوى أني رفضت المنحة الفرنسية ثم فاجأتني بالمنحة سنة 1993 و لا أعلم لذلك سببا…!!»
أفضل دكتوراه
«سنة 1996 حصلت على الدكتوراه بتفوق (أحسن شهادة دكتوراه في اختصاص معالجة الإشارة و الصورة و كانت الجائزة ميدالية حفر عليها اسمي). و لا بد هنا من الإشارة إلى ان علاقتي بزملائي و أساتذتي كانت ممتازة و مبنية على الاحترام و الاعجاب بتفوقي… و بعد التخرج أحسست ببعض الحسد حتى من بعض الأساتذة الذين أشرفوا عليّ و ايضا الخوف من المنافسة خاصة انني تعلمت اللغات الإيطالية و الإسبانية و الألمانية إلى جانب الفرنسية طبعا. و في المقابل هناك أساتذة آمنوا بي و ساندوني و اذكر منهم الأستاذ « فرانسيس كاستانيي » الذي كان يدللني و لا يرفض لي طلبا في السفر او حضور مؤتمرات دولية علمية او شراء تجهيزات رغم انه كان متشددا مع كل طلب يتقدم به غيري من الطلبة الفرنسيين… و هذا قد يكون عاديا لأنني كنت أكثر زملائي إنتاجا علميا مما مكّن المختبر من الحصول على الكثير من العقود و المشاريع في الاتصالات اللاسلكية و الأقمار الصناعية… و خاصة التعاون مع المركز الوطني للدراسات الفضائية بتولوز (C.N.E.S). و من 1996 إلى 2000 شغلت خطة أستاذ مساعد بنفس المدرسة ثم قررت الانتقال إلى كندا حيث ظروف البحث العلمي كانت أفضل»
تبجيل و جوسسة؟!
إذن انتقل الدكتور بالكحلة إلى كندا بخطة استاذ باحث بجامعة كوينز بأونتاريو (Queen’s University) و هي من ارقى الجامعات في كندا. و لم يجد عائقا في التدريس باللغة الانقليزية نظرا إلى ان اغلب المصطلحات المستعملة كانت بهذه اللغة الأنقليزية. و في كندا وجد الدكتور الترحاب و التبجيل و الاستقرار النفسي و الاجتماعي و العلمي و قد حصل بكل سهولة على الجنسية الكندية التي ربما لم يسع إليها و لها أيضا حكاية.
فقد علم الدكتور سنة 1999 و من مصادر ديبلوماسية موثوقة جدا أن نظام بن علي كان يقوم بمراقبته و التجسس عليه لخلفيات سياسية. و نصحه بعضهم بعدم المجازفة و السفر إلى تونس التي لم يعد إليها إلا سنة 2005 أي بعد حصوله على الجنسية الكندية و تأكده من ان النظام لن يمس بسوء « مواطنا كنديا » يحظى بمكانة علمية دولية مرموقة جدا.
خيرنا عند غيرنا
يقول الدكتور بالكحلة: «خلال رحلة الدراسة و التدريس و التكوين تمكنت من اختصاصات عدة سوف اذكر بعضها. فهناك اختصاص شبكة اللاقط الذكي و تطبيقات هذا الاختصاص متعددة و منها البيانات الذكية في الطب (مراقبة المريض عن بعد و متابعة ضغط الدم و الاكسيجين في الدم و نسبة السكر و حرارة الجسم…). و ترسل هذه البيانات الى الطاقم الطبي و إلى العائلة عن طريق الأنترنات… و هناك ايضا شبكة الكهرباء الذكية (SMART GRID) حيث تزرع اللاقطات على كامل شبكة الكهرباء (محولات و مولدات)… و مع بروز تقنيات الأيفون و الأيباد تطورت شبكة الاتصالات بينما شبكة الكهرباء مازالت لا تختلف كثيرا عمّا كانت عليه في عهد مخترعها « إديسون » في القرن 19… و يمكن اليوم تطويرها بشكل يجعلنا نعرف ما يجري في الشبكة و لدى الحرفاء بطريقة آنية. و يمكن استعمال الاتصالات اللاسلكية التي تمكن الشركة من توقع الخلل و تفاديه قبل وقوعه و معرفة أسبابه أيضا… و نفس الشيء بالنسبة إلى شبكة الماء الذكية حيث يقوم المهندسون بتوزيع الأجهزة اللاقطة على الشبكة المائية لمعرفة مستوى الماء و معدل الضخ و استشعار المواد السامة أو المشعة او البكتيريا. و بهذه الطريقة يمكن تفادي الامراض و تلوث المياه و معالجتها في الوقت المناسب. و تؤدي هذه الطريقة إلى التوزيع العادل للثروة المائية حسب الاحتياجات الفعلية لكل منطقة. و في كل التطبيقات في الكهرباء و الماء توفر هذه التقنية اللاسلكية نسبة كبيرة من الطاقة و من الماء و تجنب مستعمليها الخسائر و هي ليست باهظة التكاليف. و لعل الاهم هو العداد الذكي (الكهرباء) و اعتقد أن تونس سوف تستفيد كثيرا من هذا الاختراع و تعوّل على كفاءاتنا دون انتظار توريد تجهيزات من الخارج فتوفر على الشعب أكثر من 10 سنوات من الانتظار و تسبق دولا متقدمة في هذا المجال.»
آلاف المهندسين
و يختم الدكتور بالكحلة فيقول: «منذ مدة طلب مني تقديم تقرير و اقترحت ان تخصص الدولة نسبة من الميزانية لتحديث شبكة الكهرباء و بعث شركة لإنتاج العدادات الذكية و توزيعها في تونس ثم في مرحلة ثانية تقوم بتصديرها الى مصر و دول الخليج و حتى بعض بلدان اوروبا. كما أقترح إحداث مركب لإنتاج العدّادات الذكية للماء و الكهرباء يمكن أن يشغل الآلاف من المهندسين و الإطارات. و هذا المشروع يعطي مردوده بعد 5 سنوات و يوفر مرابيح طائلة… و قد وزّع التقرير على الوزارات المعنية لدراسته في تونس… و مازلت أنتظر الرد… و إضافة إلى تقنية الـ GPS و اللاسلكي التي تمكن من متابعة المرضى و المساجين و المشبوهين هناك مجال الفلاحة الذكية حيث يمكن توزيع اللاقطات الذكية في البيوت المكيفة أو المدجنات لقيس الحرارة و الرطوبة و تكوين التربة من املاح و مواد عضوية و بكتيريا و المكونات المضرة للنبتة… و بهذه الطريقة يمكن توفير الماء و الطاقة و تفادي الامراض و الوقاية منها. و هذه اللاقطات تعرف ما يلزم النبتة او الشجرة في الوقت الضروري… إلى غير ذلك من التطبيقات في استعمال الطرقات و بين السيارات…»
هذا إذن تقديم مختصر لهذا الدكتور التونسي الذي ينتفع غيرنا بعلمه… و جدير بالذكر أنه أصدر 5 كتب في الولايات المتحدة إضافة إلى العديد من المقالات العلمية. كما زار العديد من بلدان العالم أستاذا محاضرا نذكر منها الجزائر و الإمارات و فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و إسبانيا و النمسا و الولايات المتحدة و سنغافورة و أستراليا و ماليزيا و غيرها… فهل من منافس؟ و هل يأتي اليوم الذي تلتفت فيه الدولة إلى أدمغتنا المهاجرة التي لم يعد يربطنا ببعضها غير المولد و الاهل… و بعض الذكريات؟!
جمال المالكي