منذ البدء أي منذ استرداد البلاد لمقاليدها السياسية و أصبحت ذات سيادة
كاملة في التصرف في شؤونها تحت رعاية و سلطة مسؤولين وطنيين اتجهت
اتجاها خاصا و خالصا للتصنيع و للتركيب المصانع الكبرى و ذلك لأسباب
كثيرة أهمها تلك التركة الضخمة من المصانع و المعامل و المحاجر و المناجم
و ترك الآلات الثقيلة التي هي قوام الصناعة و الانتاج أنذاك و لم يكن في يد
السلطة الحديثة العهد أنذاك خبرة بالتسيير إلا أن تشد بكل قوتها على تلك
التركة الصناعية الموروثة على دولة استعمارية أنشأت هذه الصناعات لفائدتها
و كانت على علم و دراية بكيفية إدارتها و توجيهها حيث وفرت لذلك رجالات
مضطلعين و مهندسين أكفاء و على رأسهم إدارة قادرة و مقتدرة و ذات إطلاع
واسع و خبرة كبيرة فنجحت في ذلك أ اّمي نجاح . فلم تقدّر بعد ذلك السلطة هذه
الأمور حق قدرها فأسست إدارة غير ذات كفاءة و عينت مهندسين لا دراية لهم
على إدارة شؤون هذه المنشآت الكبيرة و المصانع الضخمة فبدأ الانتاج يترهل و
الصناعة تتراجع و ظهرت بوادر الخسارة و انجلت الحقيقة الثابتة أن الصناعة
تولّد الاقتصاد و تسير به نحو التفوق و النجاح و ثبت للسلط أنذاك أن المهم ليس
المصنع و لكنه الرجل الذي وراء المصنع و أن المناجم وحدها لا تكون منتجة إلا
إذا كان من يخطط لها و يهندس مسارها و يدير شؤونها و معنى ذلك أن يكون
العقل المدير و المدبر عقلا تقدميّا متفهما للحالة و لما يكون عليه الأمر فسلطت
أنذاك الدولة الضوء على التكوين العلمي و الإدارة المقننة و استغنت بهدوء و
تروّ على رؤساء هذه المصانع الذين كان لا همّ لهم إلا البهرجة و الاستعراض
أمام غيرهم من الأكفاء الذين يستطعون إدارة الشأن الصناعي و الانتاجي و
لو أنهم لا يملكون الخبرة اللازمة و لا الكفاءة المطلوبة و لكنهم يملكون جدية
العمل و تفوق العقل و قوّة الإندماج و بهم و بواسطتهم يستطيع اقتصادنا
الصناعي أن يتفوق و يصعد و يبلغ مرحلة المزاحمة و ميدان المنافسة فالعقل
إذا تطور تقدميّا في الاتجاه الصحيح يستطيع أن يخلق النتائج الإيجابية و
علّنا إذا بحثنا مليّا في شؤون غيرنا لوجدنا تفوّقا واضحا لدى بلدان صغيرة
كفرلندا و هولاندا و ذلك بفضل العقل التقدمي لدى الإدارة المشرفة أو الرجال
المسيرين أو العملة قوة الإنتاج الأولى . إذا باقتصار اقتصادنا قادر على التفوق
و المنافسة إذا توفرت المعطيات الهامة و هو العقل التقدمي و الذهنية الإنتاجية
و الإدارة ذات الكفاءة لهذا أستطيع أن أقول أن اقتصادنا في الطريق السوي
بكل فروعه سواء الاقتصاد الذي يرتكز على خامات الأرض أو الذي يعتمد على
التصنيع الأساسي أو التحويلي و في كل الحالات الإقتصاد يبنى على ركائزه
الثلاثة
العقل التقدمي إشرافا و تخطيط و تنفيذا
الألة بكل مقوماتها التكنولوجية و الميكانكية و صيانتها
العامل بجديته و تفانيه مع راحته النفسية .
رفيق المختار