«غرباء و لغير الله لن نحني الجباه»
غرباء و ارتضيناها شعارا للحياة.
إن تسل عنّا فإنّ لا نبالي بالطغاة
نحن جند الله دوما دربنا درب الأباة
هم ينشدون غربتهم افتخارا بها لكأنّهم يعلنون انقطاعهم عن الناس و اعتزالهم مجتمعات» الفساد فيها قاعدة و التديّن استثناء»
هم يثيرون التساؤل حينا و الرهبة حينا أخر لكنّهم يسيلون غالب الوقت حبرا صحفيا كثيرا
هكذا وصف الدكتور»علي العشّ» السلفية
«السلفية في تونس»
السلفية التي لم تكن حاضرة بقوة في مجتمعنا التونسي إلى حدود 14 جانفي 2011 لتصير ظاهرة فرضت نفسها داخل المجتمع حتى الحرم الجامعي لتصبح بالتالي تهديدا جديّا للحريات الشخصية و المكتسبات الثمينة للجمهورية، فالسلفية تبغض البدع و المبتدعين, و ترى أن أحكام الإسلام الواردة في الكتاب و السنّة واجبة التطبيق في كلّ زمان و مكان أي وجوب الحكم «بالشريعة الإسلامية» و كل من يغيّر الشريعة فهو «كافر مارق» و كل حكومة لا تعمل بإحكام الشريعة وجب خلعها و لو بالسيف.
و الجهاد في فكر السلفية» فرض كفاية» قد يتعيّن على مكان معيّن أو زمن معيّن ، غير أنّ بعض الفرق السلفية الجهادية تتبنّى مبدأ العنف سبيلا للتغيير, على عكس السلفية الدعوية التي تتبنّى مبدأ أنّ الإصلاح يكون بالأمر المعروف و بالنهي عن المنكر و الجهادي يؤمن بوجوب محاربة الحكومات التي لا تعمل بشريعة الله, و من أبرز منظّري السلفية الجهادية «أبو محمد المقدسي»و «أبو قتادة الفلسطيني» كما يعد «أسامة بن لادن» شيخ المجاهدين عندهم, و بعد أن كانت السلفية تقوم على مقاومة كل البدع التي ظهرت بعد وفاة الرسول الأكرم(صلعم) و تنادي بضرورة الرجوع إلى النصوص الدينية مباشرة دون اجتهادات و تعقيدات تحيل إلى «الإبتداع» من جديد, صارت تحرّض على ضرورة تغيير الأوضاع القائمة من علاقات اجتماعية و نظام سياسي و علاقات دولية و نظم اقتصادية و ذلك وفق تصوّرها الخاص, و من المثير للانتباه في تصوّرها هو طعنها في شرعية الحاكم استنادا إلى منظور ديني و تصل في درجات متقدمة إلى تكفير المجتمع برمته في حالة مخالفته لتصوّراتها. ولا يمكن الحديث عن السلفية الجهادية الحديثة دون التطرق إلى وسائل الإعلام و الاتصال الحديثة التي سرّعت من انتشارها كأديولوجية أصولية تستهدف الشباب المسلم و غير المسلم المتديّن و غير المتديّن في نفس الوقت.
فانتشار الفضائيات و المواقع الالكترونية التي تنظّر لهذا الفكر يعتبر عاملا هاما ومسرعا للانتقال و التأثير.
أين السلطة 1
و السؤال المطروح كيف تمكن التيار السلفي المتشدد من التغلغل داخل مجتمعنا المعروف باعتداله, فإذا سلمنا بأن العوامل الفكرية و السياسية و الاقتصادية زد عليها إهمال الخطاب الديني الذي يقنع الشباب كلها ظروف كانت ملائمة لانتقال الفكر الجهادي تبقى نقطة غامضة لكنّها ذات أهميّة و هي أين السلطة و نخبها من كلّ المتغيرات التي يتعرض لها شباب البلاد و التي تمهّد لانتقاله من طور إلى طور اخريقوم على العنف وسيلة منهاجا؟. و هذا يقودنا إلى أنّ السلطة كرّست قطيعة تامة بين نخبها و أجهزتها و بين الشباب المتعطش إلى التديّن و البحث فيم هو فقهي و عقائدي. و مع انسداد أفق الحوار في مواضيع معيّنة على رأسها القضايا الإسلاميّة و التي تعتبر ضرورية في تكوين كل شاب يعيش في بيئة عربية مسلمة لجأ أغلب الشباب التونسي إلى عزلة فكريّة وقوقعة ملحوظة بحثا عن المحظور في بلد بدأ يتأكد شيئا فشيئا أنّه يحارب التديّن بشراسة ويعتبره عائقا من عوائق الحداثة و التحديث.
و قد كانت الرسائل الكونية الشاملة التي حملها منظرو السلفية الجهادية دافعا من دوافع تطرّف الشباب التونسي ليصبح أرضا خصبة لاستقبال رسائل أئمة الجهاد في الخارج.
إنّ الخلاصة من كلّ هاته الآراء التي جادت بها قريحة المفكرين و المتمعنين في أوضاع بلادنا أنّ السلطة أو الدولة لها أكبر نسبة من المسؤولية فيما أل إليه حال شبابنا قبل الثورة بتجاهلها لإصلاح المنظومة التعليمية الفاسدة بالأساس و غفلتها عن إدراك ما يتفاعل معه الشباب التونسي مما يرد علينا من الخارج .
أين السلطة 2
و تواصلت هاته الغفلة بعد الثورة لتتجلى في أعتى مظاهرها مع بداية الأزمة السورية, لتصبح سوريا القبلة و المهجر, مثلما كانت في التسعينات «أفغانستان», سندهم و زادهم فتاوى متشدّدة و متطرفة تغررّ بشباب مهمّش قليل الوعي باسم «الجهاد في سبيل الله و نصرة الإسلام» إذ يعتقد هؤلاء أنّهم المقصودين في كتاب الله بأولئك (الظاهرين على الحق الذين يقاتلون في أكناف بيت المقدس ) و يستندون إلى أحاديث شريفة و قدسية ذات دلالة غيبية ليخلصوا إلى أنّهم يخوضون معركة فاصلة في بلاد الشام تسبق تحقق الوعد الإلهي.
لتتواتر الأنباء يوميا عن مقتل الشباب التونسي هناك و تأتي التقديرات على أنّ 40بالمائة من المجاهدين الأجانب في سوريا توانسة يقاتلون في صفوف» جبهة النصرة», قبل أن يكتشفوا أنهم وقعوا ضحية مخطط جهنمي ربحي من بعض القوى الخفية التي تريد أن تخدم أجندتها المستقبلية, وهو ما جعل الكثير تحدوه رغبة جامحة في العودة إلى تونس, خاصة بعد أن اقتنعوا أنّهم كانوا مجرّد دمى تحركها أجندات و مخابرات أجنبية ليس الهدف منها إلاّ إسقاط النظام للتربع في مكانه, فالحديث في العلن عن الجهاد لا يعدوا أن يكون مطية, و أما ما خفي فهو مصالح شخصية ضيقة لمخابرات من عدّة دول متداخلة .
فهل تتعامل الدولة بحكمة مع العائدين دون تضخيم و مزايدة إعلاميّة من أجل شيطنتهم و عزلهم من جديد؟ و بالتالي العودة إلى المربع الأوّل الذي أوصل شبابنا إلى هاته النتيجة و هذا ما ترغب فيه فعلا بعض «التيارات السياسية» مواصلة لمنهج سياسة «المخلوع» في التعامل مع الإسلاميين, دون التغافل عن مراعاة المقتضيات الأمنيّة في رصد التعريف بالعناصر السلفية الجهادية الخطيرة التي قد تعمد إلى توظيف الخبرات القتالية التي اكتسبتها في سوريا لتنفيذ بعض العمليات الإرهابية فعلا و يبقى المجهود المحوري هو الإبقاء على محاولة فتح الحوار قصد إعادة تثبيت هذه العناصر داخل ولائها القطري المباشر لأنهم يبقون في أخر الأمر مواطنين توانسة.
خاتمة
لا يمكن أن تكون السجون مصير «الجهادي» أو اعتبارها مكانا للتوبة عن أفكاره أو فرصة ليراجعها و يحسم فيها بشكل نهائي, إذ أن قيمة المشاركة الفعلية و الجلوس إلى حوار صريح و هادىء مع هذه الفئة العمرية التي تأتي دوما بالجديد و الخطير أضحى من أوكد الأمور ، و تتطلب المساعي التي ستتبع لإقناع الشباب الذي تبنى الأصولية وجود «نخبة» تدرك جيّدا المهام المناطة بعهدتها و أهمية الدور الذي ستضطلع به في إقناع الشباب المتطرف بفكر معتدل يركز على معارك مدنية من نوع آخر , كقضايا التنمية و حقوق الإنسان , و مقارعة الجهل , و الأمية , و الإستبداد و هي قيم من جوهر الإسلام و بداية التعامل مع هؤلاء الشباب يبدأ من سوريا بالذات لحصر عددهم الجملي في ضلّ قطع العلاقات و سحب السفير التونسي ثمّ التحضير لاستقبالهم و تأطيرهم و ترسيخ عقلية التسامح و القبول بالأخر لإعادة إدماجهم داخل المجتمع ليكونوا مواطنين صالحين يفيدون البلاد و العباد.
الشاذلي الهمامي