عندما نتحدث عن سليم شاكر طيب الله ثراه تقفز إلى الأذهان لمن عاشروه و اطلعوا على سيرته الذاتية ملامح رجل جدي يؤمن جازما مثل جل أبناء جهة عاصمة الجنوب مسقط رأسه أن العمل مقدس و أن حب الوطن واجب يجري في في العروق ، و لا شك أن ذلك يتأكد عندما نعملم انه من عائلة مناضلة تفرق بين اللعبة السياسية بالانتماءات الحزبية و خدمة المجموعة الوطنية كما هو الحال بوالده المناضل الغيور على مباءئ النضال الحقيقي الاستاذ محمد شاكر الذي تقلد في العهد السابق مناصب عدة منها وزارة العدل و كان صارما في الدفاع على علوية القانون و رد الاعتبار لهيبة الدولة و خدمة المجموعة الوطنية واجب لامجال للتخاذل فيه و هذا يعلمه أبناء صفاقس عندما تقلد منصب رئيس بلدية صفاقس الكبرى في فترة حساسة و خطيرة …
لا يسعنا اليوم إلا أن ندعو للمغفور بإذن ربه الشاب الوطني المتحدي بقوة و بصراحة لملفات الفساد الكبرى و لللوبيات التي تحرك ماكينة السرقات الكبرى في القطاع الصحي العمومي و التي تجمع عديد » المسامير المصددة » و الخيوط الكهربائية التي تعدم كل من يقترب منها أو يحاول لمسها قبل قطعها.
للحقيقة نقول و للتاريخ نؤكد و نعيد أن فاجعة فقدان وزير الصحة الجديد … وزير المالية السابق الحامل لشهائد عليا تونسية و فرنسية مع خبرة كبيرة في ميدان المال و الاعمال بالمنظمات الدولية و بالعودة الى الذاكرة لفقدان جده المناضل من الرعيل الأول أحد أبرز و أكبر المناضلين بالجهد و المال و الفكر أيام الجمر و لغة الحديد و النار و الغدر التي طالته و اغتالته و هو عائد أيضا من نابل و هذا من سخرية القدر، ليبقى اسمه راسخا في الذاكرة الجماعية المناضل و الشهيد الهادي شاكرالذي أزيل النصب التذكاري الذي كان يخلده في مسقط رأسه في نهاية الحكم البورقيبي و نسيه النظام النوفمبري، و ربما تكون وفاة حفيده سليم شاكرلإعادة الاعتبار اليه بإحياء تاريخ نضاله و اعادة نصبه التذكاري من جديد.
أما عن فقدان سليم شاكر فإنه فرض عدة نقط استفهام لأن هذا الرجل المتحدي ورث من جده الهادي شاكر الوطنية الخالصة و روح التحدي و الرجولة حتى آخر رمق في حياته فهو لم يتراجع عن فتح ملفات الفساد ووعد بتطهير قطاع الصحة العمومية الذي عجز على تصفية ملفاته من سبقه و بقي يبحث عن الدواء الناجع لتعم الفرحة في صفوف السواد الأعظم من الشعب التونسي.
فقد حرص على القضاء عن داء السرطان ينخر جسم التونسي بالوقاية قبل العلاج الى جانب اهتمامه بسرطان آخر نخر جسم الصحة العمومية وعجز على التصدي له و القضاء عليه عديد الوزراء السابقين و كان آخر من تحدث بصراحة و حرقة الوزير السابق للصحة العمومية عبد اللطيف المكي في تصريح هام و جريء لصحيفتنا » الخبير « حيث صرح للزميلة حنان العبيدي في العدد الذي صدر يوم 17 أوت 2017 بما يلي :
» في الحقيقة لمّا تم اقتراح تعييني على رأس وزارة الصحة كنت خالي البال من الوزارة أصلا، وكنت متمسكا بالإشراف على لجنة الإعداد للمؤتمر التاسع للحركة لأنني انتخبت لتلك المهمة، ولكنني استجبت لإصرار الإخوة على تعييني بالرغم من عدم اقتناعي بذلك، وكان في اعتقادي أن الوزارة في حاجة إلى الجانب الفني لتسييرها على أكمل وجه ولكن عند مباشرتي لها اقتنعت أنها بحاجة إلى وزير سياسي يفهم في الأمور الفنية، لأنها ذات أهمية كبرى سواء من حيث الميزانية وعدد الموظفين أو من حيث رهانات البلاد والآفاق الاقتصادية، ومن حيث صورة تونس بالخارج خاصة مع امتلاكها لمدرسة طبية متطورة وحصولها على جائزة نوبل للطب وهي الدولة العربية الوحيدة الحاصلة على مثل هذه الجائزة الهامة، وعديد الاكتشافات الطبية منها اكتشاف فريق الأستاذ درغوث في مستشفى العزيزة عثمانة والمتمثل في كيفية علاج تسوس العظام.
من أجل كل ذلك اشتغلت بطريقة تلقائية ساهمت في كسب ثقة كل من عارض وجودي على رأس الوزارة من قبل، لان الناس اكتشفوا أن طرحي لبعض الملفات لم يكن من عبث ولم يكن لتصفية حسابات حزبية أو شخصية، بل طرحت الملفات اللازم طرحها لا أكثر ولا أقل، من جهة أخرى، قد يكون حديثي وقتها في السياسة العامة للبلاد شارك في تعقيد جزء من المشاكل وهذا درس من الدروس لعبد اللطيف المكي.
في علاقة بملفات الفساد اعتمدت الترويكا على عامل التفقديات للنظر في كل شبهات الفساد وطرحها، ولهذا الغرض انتدبنا صلب التفقدية الطبية أكثر من 40 متفقد طبي، و10 متفقدين إداريين وماليين والتفقد الصيدلي، ونحن نستجيب لملفات التفقديات وللإجراءات المقترحة بأكثر من 97 % بصورة فورية و3 % يتم إعادتها للتدقيق وفي الحقيقة كل الملفات التي وجهتها التفقدية للقضاء و تم تمريرها فورا للسلك القضائي ولكن لم يتم البت فيها إلى حد اللحظة، وهذا سؤال يطرح نفسه، خاصة إذا تعلقت الملفات بالفساد المالي والإداري سواء إن كانت سرقة بالملايين أو سرقة أدوية خطيرة واستغلالها في مصحات خاصة، أو إجراء عمليات جراحية داخل المستشفيات العمومية والاستحواذ على المبالغ المخصصة لها للحساب الخاص لبعض الأطباء، وكل هؤلاء مكانهم الصحيح هو السجن لا غير … »
ختاما لا يسعنا الا أن نترحم على روح الأستاذ و المناضل سليم شاكر الذي أنجبته عائلة مناضلة غارقة في حب الوطن و خدمة الشعب حتى النخاع دون خوف أو تردد أو تراجع إذا ما تعلق الأمر بمصالح البلاد و خدمة العباد… نقول حتى لمن شككوا في أسباب و طريقة موته و أولها بالإثارة و الهمس و بعث الشك و البلبلة نقول لهم أن الوقت قد حان لفتح المفلات الخطيرة في كل ما يهم المواطن أينما كان و أن الموت من اجل خدمة البلاد و العباد يبقى شرفا و واجبا حتى و ان قوبل بأعمال اجرامية قد تكشفها الأيام و تثبت إن كانت حقيقة أو تأويلا خاطئا أو حتى اجتهادا وراءه أجندات قد تفكك شفراتها مع مر الأيام.
مرشد السماوي