في إطار التفاعل مع الحدث المهم في تاريخ تونس نحاول أن نساهم بهذه البسطة الشاملة حول الترشحات للانتخابات الرئاسية التونسية التي تجرى في 15 سبتمبر 2019، ويتقدم فيها 26 مرشحة ومرشح من مختلف المشارب الفكرية والسياسية.
ويحاول هذا المقال أن يتفحص مجمل الجوانب المتعلقة بهذه الترشحات، في 10 فصول تتعرض للتركيبة العمرية والتوزيع الترابي والتكوين والاختصاصات العلمية والميثاق الغرافيكي للمحامل الإشهارية ومحتويات البرامج وأهم ما يمكن أن نستخلصه منها، وذلك بناء على ما وقع تعليقه في الأماكن المخصصة للغرض وما وقع نشره في الإعلام الرقمي خاصة.
الأعمار والتوزيع الترابي
تتراوح أعمار المترشحين بين 44 و74 عام، في معدل 58 عام ومتوسط 59 عام، وهو مؤشر على أنه لا يوجد تباين حاد في أعمار الترشحات التي تكون تمثيليتها الأكبر في الفئة العمرية (60-69) من خلال 10 ترشحات، تتوزع الترشحات ترابيا (باعتبار مكان الولادة) على 13 ولاية بما يمثل أكثر من نصف ولايات الجمهورية، تتقدمها ولاية تونس (وقد يكون المقصود تونس الكبرى) في 10 ترشحات، وتغطي الترشحات كل المناطق المتعارف عليها: شمال ووسط وجنوب، بشرقها وغربها.
التكوين والاختصاص
تؤكد المعطيات المتاحة بأن كل المترشحين من الحاصلين على شهادات جامعية (إجازة أو أستاذية ودراسات هندسية وماجستير ودكتوراه)، ويتردد في قائمة الترشحات 40 اختصاص، تتقدمها الحقوق التي تبرز في 6 ترشحات، ثم اللغة العربية في 5 ترشحات والطب والتسويق وإدارة الأعمال في 3 ترشحات لكل اختصاص، ويجمع 10 مرشحون بين أكثر من اختصاص، وتتكون القائمة من: التسويق والطاقات المتجددة واقتصاد البيئة والموارد الطبيعية والمكيكانيك والنمذجة والتكنولوجيات الحديثة والتنمية الصناعية…
الاهتمامات المدنية والثقافية والنشر
تسجل الترشحات الرئاسية لسنة 2019 العديد من الاهتمامات الثقافية والمدنية، فهناك من المترشحين من مارس المسرح والموسيقى وهناك من تخصص فيها، إضافة إلى اختصاص عمله، كما تسجل المدونة الكثير من الأنشطة في المجتمع المدني والنقابات والانتماءات إلى هيئات دولية ومؤسسات علمية مرموقة، إضافة إلى ما تسجله المدونة من منشورات لعدد من المترشحين والتي يفوق مجموعها 50 مؤلفة.
الخبرات والمسؤوليات السياسية السابقة
من بين المجموعة المترشحة الحالية نجد 6 سبق لهم الترشح في الانتخابات الرئاسية، منهم ترشح رفض لعدم استيفاء الشروط، كما تسجل 15 مرشح تقلد مسؤوليات سياسية متقدمة: رئيس جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء وأعضاء مجلس النواب والتأسيسي ومستشارين لدى رئاسة الجمهورية … بينما تسجل المدونة 24 مترشح نشطاء في المجتمع المدني أو أعضاء في هيئات علمية ومؤسسات دولية… وقد سبق لأكثر من ثلث المترشحين ترأس أو المساهمة في نشاط مؤسسة اقتصادية.
مفردات الشعارات
تتألف شعارات المحامل الإشهارية من 24 مفردة أكثرها ترددا « تونس » في 5 مناسبات ثم تليها كل من « كرامة » و »قوة » في مناسبتين 2 لكل منهما، ونجد: « الديمقراطية » و »السيادة » و »المسؤولية » و »العقل » و »الإصلاح » و »الثقة » و »الأمل » و »المستقبل » و »الشعب » والحريات » و »الوفاء »… وهي مفردات تحيل كلها على وعود بالتغيير والتجديد والمساهمة في أن يكون للبلد مستقبل أفضل، في صيغ منها من يحاول أن يتعهد بنوع من الموازنة بين الحريات والديمقراطية من جهة والدولة القوية من جهة ثانية، ومنها من ذهب إلى نوع من التعهد بالتجميع بين التونسيين، بينما نجد في خطابات أخرى نوع من التأكيد على دعم ثبات التونسيين على تشبثهم بأرضهم، وتذهب نزعة أخرى إلى نوع من التحذير من التنازل على الحرية أو الكرامة…
النصوص والمفردات البصرية المصاحبة للصورة
فيما يتعلق بخلفية الصورة في المعلقات، ذهبت المدونة في اتجاهين مختلفين، حيث وظفت في الاتجاه الأول خلفيات تحيل على أفق من الحيز المرئي: أفق بحرية وأفق فلاحية وطبيعية وأفق ثقافية… أما الاتجاه الثاني فقد اختار أن يستعمل مساحة لونية موحدة، ويتقدم الأحمر قائمة الألوان ثم الأبيض الرمادي الطفيف والأزرق، إضافة إلى الأسود، ولا يختلف الأمر بالنسبة لموجز البرنامج المصاحب للمعلقة، مع بعض التغييرات بالنسبة للون الكتابة.
وقد استعملت في المعلقات نصوص تراوح عدد كلماتها بين 2 و14 كلمة بمعدل يناهز 5 كلمات، كما افتتحت البرامج في 3 مناسبات بالبسملة وفي مناسبتين 2 بآية قرآنية، وقد أدرج في 9 معلقات 11 عنصر أيقوني: زيتونة، في 3 مناسبات، ورسم لطائر الفينيق وحناية (أقرب لهيئة حناية زغوان) ولاقطات شمسية وجماهير وقبة (يبدو أنها تعود لمعلم سيدي بلحسن) ورأس أسد وزخارف نباتية وشجرة غير واضحة النوع.
وترمز الزيتونة للمقاومة والصمود والاستدامة، كما ترمز أيضا للسلام، أما الأسد فهو رمز للشجاعة والقوة والسلطة الحامية، وهو أيضا رمز للنار المطهرة. أما طائر الفينيق الأسطوري فهو يرمز للخلود والقوة ولكن أيضا للسمو الفكري، فيما تمثل الحناية، وهو الجزء المرئي من القناة الرومانية التي أنشأت منذ ما يناهز 2000 عام لجلب الماء من زغوان إلى قرطاج بطول 132 كلم، ممتلك ذو قيمة استثنائية عالمية وقع إثباتها في عملية تسجيله المؤقت على قائمة التراث العالمي…
سمات البرامج والرؤية
تتفق جل الترشحات، إن لم نقل كلها، على تعهدها بحماية الدستور والوحدة الوطنية ودعم القوات المسلحة وتطوير منظومتهما، كما تتفق على العمل على التفعيل الأمثل للديبلوماسية الاقتصادية وجلب الاستثمارات ومقاومة الإرهاب والفساد… وتتفق جل الترشحات على توسيع مفهوم الأمن القومي ليشمل: الأمن المائي والطاقي والتكنولوجي والثقافي… وبناءا على الأدبيات المعروضة في هذه البرامج يمكننا أن نختصر الرؤية المقدمة في الانتخابات في: « مجتمع مزدهر وعادل ومتضامن ».
نقاط مبدئية وسيادية من خلال البرامج
(1)- تجريم التطبيع مع الكيان المحتل لأرض فلسطين ودعم شعبها من أجل استرداد حقوقه،
(2)- مطالبة فرنسا بالاعتذار الرسمي من الشعب التونسي على فترة الاستعمار،
(3)- تأميم الثروات الوطنية والتدقيق فيها وإطلاع الشعب عليها.
تصورات متفردة من خلال البرامج
(1)- جعل تونس منصة أورو-أفريقية خاصة للتبادل الصناعي والمعرفي العالي والتنقل (مركز ترابط دولي)،
(2)- جعل تونس مركز سلام عالمي، بما يمكن أن تؤسس له من ضوابط عادلة وشاملة للحوار والعيش المشترك والحريات والإبداع العلمي والثقافي،
(3)- تحويل تونس إلى ورشة مفتوحة للتكنولوجيات الحديثة، حيث يطلق مسار تعليم وتدريب وبحث وتجريب في التكنولوجيات الحديثة (أو تكنولوجيات كثيفة المعرفة) والاستفادة منها.
نقاط استراتيجية من خلال البرامج
(1)- استكمال المؤسسات الدستورية: المحكمة الدستورية وبقية الهيئات ودعمها
(2)- استكمال تركيز السلطة المحلية (جهات وأقاليم)، وتنظيم انتخاباتها حتى تستكمل أهم روافد التنمية الترابية التي نتطلع لها
(3)- العمل على تحقيق إتحاد المغرب العربي وخاصة اتحاد تونس مع الجزائر وليبيا في قطاع ترابي يضمن التكامل الاقتصادي وحرية التنقل وانسياب السلع والخدمات
خاتمة
إن هذا المستوى الثري لما تمكنت النخبة التونسية من تقديمه في هذه المحطة التاريخية من الانتقال الديمقراطي التونسي، يجعلنا نقترح على الرئيس، الذي سينتخبه التونسيون من بين هذه النخبة، أن يقدم للبرلمان مقترح تشكيلة حكومية تتكون من الـ25 مترشح المتبقين ويكون من بينهم رئيس للحكومة وبرؤية لمشروع وطني شامل يستند لأفكارهم المطروحة، تمهيدا للتقدم في تعميقها في حوار مجتمعي واسع تشرف عليه رئاسة الجمهورية التي تصبح منتدى مفتوح للشعب التونسي بمختلف أطيافه وشرائحه.
د. ياسين الحلواني