كيف نبدأ و كيف نتعامل مع هذا الرجل الهادئ الرصين هذا الرجل العميق التفكير القوي الحدس و الاستشراف الرجل الذي يتابع برصانة و تدبر كل الأوضاع و كل الأزمات و كل الحراك الوطني و لا ينطق بكلمة
كيف نستهل الحديث في شأنه و كلما قابلناه لم يزد على ابتسامة خفيفة و إيمائة هادئة لا تفهم منها أنه يوافق أو يناقظك
هو قوي إلى منتهى القوة و رقيق منتهى الرقة أنظر إليه فأتمثل سيدي أبا بكر الصديق في رقته و ليونته و لكنه حين يتكلم يكون ذا اقناع و تمكين لغوي يبهرك و يجعلك تنتبه له و تتفاعل معه
هو لين إلى حد أن نفسك تراودك على مغالبته و لكنه يقدر الموقف و يحسب الحدث فإذا هدوءه و ليونته تنقلب إلى قوة جبارة في الفكر و الإقناع بل يزيدك من حيث لا تعلم أنه عارف بكل دقائق الأمور
أنه سيد كل الخيوط الدقيقة في هذا الوطن و لكنه لا يتفاعل مع الأحداث كما يتفاعل الآخرون و لا يسجل الحضور الغيبي في المواعيد و لا يتلهف على الأحاديث و الحضور الاعلامي لأنه يرى أن الأمور أكبر من ذلك بكثير و أن العمل الجاد لصالح الوطن و الشعب لا يتم باللقاءات التلفزية و لا الحوارات الإذاعية إنما يتم بالعقل و التعقل و الرصانة و الهدوء
هو يعلم من أسرار وطنه و من شأن وطنه ما لم يعلمه الآخرون و يفهم حقائق أموره أفضل من الآخرين و لا يمد وجهه رغبة في الظهور و لا يسعى للتعريف بنفسه و لا بموقفه بل إنه أكثر من ذلك يعزف كل العزوف عن الدخول في معترك غبي لا يكون ضحيته إلا الشعب و الوطن
و حق الله و حق الشعب و حق الوطن قد خجلت منه و تملكني الحياء أن أسأله
كيف ترى حال البلد هذه الأيام و بعدها و أقسم أني أراه قد قرأ أفكاري و علم سؤالي فابتسم و قال أنا لا أقول خيرا و لا شرّا في المؤسسة الحكومية القائمة و لا أقول خيرا أو شرا في أصحاب المبادرة و الخارطة و احترم المعارضين و الموالين و ليس معنى هذا إني بعيد عن هذا الحراك و لكنني أقول
اللهم إن كان خيرا فعجل به و إن كان شرا فباعد بيننا و بينه
بصراحة هذا الرجل تفوق عليّ ليس لضعف فيّ و لكن لقوة غريبة فيه بل غلبني حين ابتسم و قال بهدوءه القاتل
لماذا لا تسألني في شأن هذا الاتحاد الذي أقوم عليه و أشرف على نشاطه؟
ابتسمت و لم أزد على أن أجبت لقد درست نشاط الاتحاد و نظامه و أهدافه و عرفت عنه كل شيء
ردّ بهدوء عميق إنك تعرف عن الاتحاد الكثير و لكنك لا تعرف الأكثر إن اتحاد عمال تونس لا يكفيه أن يناضل و يدافع عن حق العمال إنه يفكر أن يرتقي بعقل العامل و ذهن العامل إلى درجة الوعي الكامل بحقه و واجبه لأن العامل يعتبر أن المنظمات النقابية ميسّره للدفاع عنه دفاعا خاصا و لا يعلم أنها أيضا قائمة على تنبيهه إلى واجباته الرجل كان أقوى من حضوري و أسئلتي كانت أصغر من عظمته المتواضعة و كبريائه الأنيق …
داريت ضعفي أمامه لحظة و سألته و الحق أني كنت أتصنع الاتزان أمامه
إذا أنت سيدي ستعلم الناس فضيلة إفلاطون ؟
و كنت أحسب أنني وضعته في دائرة تموقعي و لكنني أعترف أني انهزمت حين ردّ عليا بحزم
و ما فضائل أفلاطون و ما مدنيته الفاضلة ؟
إنه حلم حكم به فيلسوف قديم و نحن أبناء الحاضر و الحضارة فلم تغيب عليّ أو على غيري هذه المدينة و أنت تعلم أن شعبي و شعبك و أنا و أنت لا ينقصنا إلا التوجيه الصحيح فلم تستكثر علي أن أعلم المناضلين العاملين أن أرشدهم إلى واجبهم كما يطالبون بحقوقهم فإذا بلغنا هذه الغاية و استوعب الشعب أن الواجب قبل الحقوق سنرتقي إلى أعلى أنا و رفاقي أخذنا على عاتقنا تبليغ هذه الرسالة و البداية بالمناضلين العاملين الصادقين الذين انخرطوا في الاتحاد
إننا نسعى و نعمل من أجل تونس و أبناء تونس و سترى بعد حين أن تونس بعقلنا و فكرنا و بتوفيق من الله و دعم من مناضلينا سنكون مضرب الأمثال في الرقي و الحضارة نحن نحمل رسالة النضال و فكرة التحضر و منها ننطلق و سننجح بإذن الله باعتمادنا على وعي شعبنا و وطنيته .
رفيق المختار