بعد 14 جانفي 2011، عرفت بلادنا تقلّبات عدّة وكانت في وقت ما معرّضة الى انفجار لا تحمد عقباه.
لكن ولحسن حظ بلادنا أنّ تحرّك حكماؤها وجلس الفرقاء على مائدة الحوار الذي أنقذ البلاد والعباد وأوصلنا إلى انتخابات تشريعية نزيهة وشفافة بشهادة الجميع أثمرت مجلسا نيابيّا تلتها انتخابات رئاسية مماثلة أصبح على اثرها الأستاذ الباجي قائد السبسي أول رئيس للجمهورية الثانية.
ورغم كلّ المصاعب التي تعيشها بلادنا فإنّ الحكومة برئاسة السيد الحبيب الصيد تعمل ليلا نهارا على توفير مستلزمات السلم الاجتماعي وتوفير الاعتمادات وتحريك المشاريع الكبرى المعطلة والجديدة حتى تتمكن من النهوض بالجهات الداخلية.
ولكن كل ذلك يبقى بلا معنى إذا لا تتم محاسبة الفاسدين الذين رتعوا في البلاد بلا رقيب ولا حسيب ونهبوا أموال وثروات الشعب التونسي بغطاء الرئيس السابق ومقرّبيه.
وقد تمّ بعث آلية العدالة الانتقالية متمثّلة في هيئة الحقيقة والكرامة للقيام بهذا الدور الخطير والحساس.
لكن منذ انبعاثها وتولّيها هذه المسألة دخلت هذه الهيئة في مهاترات وربما حتى حسابات أبعدتها عن مسارها الحقيقي (استقالات واتهامات و…و…).
ونظرا لأهمية المحاسبة والمصالحة وضرورة الاسراع في انجازها للخروج بالبلاد من الركود الاقتصادي القاتل، تولّى رئيس الجمهورية تقديم مشروع للمصالحة الاقتصادية وهو حاليّا تحت أنظار مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه وقد فشلت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين في الطعن في دستورية هذا المشروع وطنيّا ودوليّا، فبادرت في خطوة نعتقد أنها متعثّرة لسحب البساط من تحت الأستاذ قائد السبسي وعجّلت في النظر في قضايا ذات صبغة اقتصادية.
وبالتالي فالهيئة بكل المصاريف وكل الميزانية التي وفّرتها لها الدولة والتي كانت محل نزاع كبير جدّا نجدها تائهة في قضايا ومغالطات كبيرة.
وقد تطرّقنا إلى قضية «عبد السلام عفّاس» كنموذج فهذا الشخص الذي كان نائبا بمجلس النواب في النظام السابق وتحصّل على امتيازات دون وجه حق، وكان مثالا يحتذى في سوء التصرف في شركات «العفّاس» إذ كان من الواضح جدّا حرصه على مظاهر البذخ حيث كان يملك أكبر وأفخم مأوى للسيارات بتونس. بالإضافة إلى تباهيه الكبير بسيارته التي لا مثيل لها بكامل الجمهورية، إلى جانب علاقاته المشبوهة. فسوء التصرّف والفساد المالي كانا واضحان وجليّان ممّا انجرّ عنه إفلاس شركاته. فاغتنم «العفّاس» وجود قانون 1995 المتعلّق بإنقاذ المؤسسات للانضواء تحته وحاول اثر ذلك مغالطة القضاء ومغالطة المسؤولين آنذاك بطرق تحيّل كبرى لاسترجاع شركاته لكنه لم يفلح في ذلك كما استعمل أناسا آخرين للتستّر باسمهم لكن دون جدوى لذلك فقد وقع بيع هذه الشركات بطريقة قانونية ففي ظلّ كلّ المشاكل المالية التي شهدتها مجموعة عفّاس والتي فاقت الحدود ونسبة الدين المرتفعة، فقد وضعت كبداية تحت سلطة الرقابة القضائية الأمر الذي فرضته المحكمة الابتدائية بصفاقس وبتزايد أزمات هذه المجموعة، قُدّمت العديد من العروض من بعض المستثمرين التونسيين والأجانب لشرائها فأصبحت شركات عبد السلام عفّاس ملكا لغيره بيعا وشراء كما تمّ رسملة إدارتها وإعادة تطويرها لتخطّي الأزمة التي تسبّب فيها.
عبد السلام عفّاس كان أكثر شخصية متمتّعة بامتيازات بن علي وأكبر دليل حيث يمكن التأكّد من ذلك عن طريق رئيس لجنة الحصانة البرلمانية أنّ بن علي قد أصدر تعليمات كي لا يزجّ بعبد السلام عفاس بالسجن ويتمتّع بالحصانة البرلمانية رغم عشرات المليارات من الصكوك غير المدفوعة التي أخذها من البنوك العمومية والمخلّدة بذمّته. وبالإضافة إلى هذا الفساد المالي الواضح لابدّ من تذكيره والاستفسار عن مصدر موارده حيث يأخذ أموالا من أناس على أساس أنها أموال مشروطة في رأس المال وهذه العملية هي حتما ممنوعة قانونيّا.
لقد حاول عبد السلام عفّاس بشتّى الطرق ايهام الرأي العام أن لديه شريك جديد ليعيد الدخول في رأس المال لكن هذه الحيلة لم تنطل على المسؤولين آنذاك وذلك الشريك مازال إلى الآن مدين لأشخاص شاركوه في رأس المال لكنه لم يعترف بهم وأنكر صلته بهم.
هذا هو عبد السلام عفّاس الذي يتحوّل اليوم إلى ضحية ويحاول التحيّل على القضاء العادل الذي لم تنطل عليه حيل «العفّاس» فانتقل بحيله من القضاء إلى هيئة الحقيقة والكرامة التي تقبّلت تبنّي قضيته والمشاركة في مغالطة الرأي العام وتصرّح أنها تعمل على 50 قضية فيا خيبة المسعى ان كانت هذه القضايا من نوع قضية عبد السلام عفّاس التي تحمل تجنّي على الشعب التونسي ومغالطة وطمس للحقائق.
ففي الوقت الذي كانت فيه السجون قفصا للأشخاص المخلّدة بذمّتهم بعض المئات من الآلاف فإنّ عبد السلام عفّاس المخلّدة بذمّته آلاف الملايين يرتع حرّا طليقا دون قيود رغم أن المبلغ الضخم المخلّد بذمّته يمكن أن ينقذ الاقتصاد التونسي ويخرجه من الركود إلى الانتعاشة.
«عبد السلام عفّاس» الذي كان صاحب مجموعة عفاس المتمثّلة في أهم مجموعة لإنتاج الصناعات الغذائية بتونس والمرتكزة بولاية صفاقس، كان يهيمن على 50 بالمائة من السوق في هذا المجال، ونظرا لتراكم ديونه وتفاقمها نظرا للفساد المالي وعمليّات التحيّل التي انتهجها للاستيلاء على أموال الشعب من خلال الاقتراض من البنوك العمومية دون أي وجه حق مستعملا نفوذه للضغط على تلك البنوك لإقراضه دون ضمانات أي بطريقة مخالفة للقانون.
إنّ الضرر المادي و المعنوي الذي ألحقه «العفّاس» بالدولة وبالبنوك العمومية كبير إن لم نقل أنه فظيع إلى درجة لا أحد يتصوّرها.
في الحقيقة لم نكن نود فتح ملفات فساد عبد السلام عفّاس لو لم يدفعنا دفعا بعد ظهوره في الفترة الأخيرة من بين قضايا هيئة الحقيقة والكرامة للركوب على الأحداث في إطار مخطط محكم للإطاحة بالمالك الجديد لمجموعة شركاته من خلال رفع شكوى تحتوي تظلّما لدى هيئة الحقيقة والكرامة معتبرا نفسه ضحيّة تسلّط واستبداد النظام السابق.
إنّ عبد السلام عفّاس هو بطل التحيّل والسرقة ورجل أعمال فاشل سلاحه الكذب والتحيّل على البنوك العمومية من خلال النفوذ السياسية.
إنّ الثورة قد قامت لتنصر الشعب التونسي على الظلم والاستبداد وتعيد له حقوقه التي نهبها أمثال «عبد السلام عفّاس».
«إن لم تستح فافعل ما شئت» هذا المثل ينطبق على عبد السلام عفّاس فبالإضافة إلى ذلك ووفقا لمعلومات وردت بموقع الكتروني منذ سبتمبر 2015 أنّه تقدّم بشكوى لدى الفرقة الاقتصادية ضدّ رؤساء مديري عامّين لبنوك عمومية، وحسب هذا المصدر فإنّ محتوى الشكوى تضمّن رفع مظلمة ذاكرا أنّ مجموعة شركاته وقع بيعها لمجموعة مقرّبة من الرئيس السابق بن علي اثر إعلانها لعجزه عن سداد ديونه.
ووفقا لنفس المصدر أنّ عبد السلام عفّاس قد صرّح في محتوى شكواه أنّ هذه البنوك في عهد النظام السابق قد قامت بجدولة ديون هذه الشركات إثر بيعها دون سبب وجيه ودون الحصول على ترخيص من وزارة المالية.
وعلى إثر هذه الشكوى، أمر عبد السلام عفّاس بإجراء تحقيق في هذا الشأن وإقامة الدليل والحجة مع تبرير كل ما حدث من تجاوزات حسب تصوّراته. هذا الملف قدّم للمكلّف بالقضاء في هذه المسألة منذ أواخر جوان الماضي كما وقع إبلاغ وزير المالية بهذه المعطيات. وهذا الأسلوب هو كلمة حق أُريد بها باطل لأنّ ما تكتّم عنه عبد السلام عفّاس أنه وقع انقاذه من السجن المؤكّد بعد رفض رفع الحصانة عنه بتعليمات من الرئيس السابق بن علي وقد ناهز مبلغ الصكوك التي أصدرها دون رصيد ما يقارب 20 مليون دينار أي 20 مليار في وقت كانت السجون ملأى بالمساجين جرّاء بعض المئات من الآلاف.
ونظرا لكلّ ذلك فإنّ عبد السلام عفّاس يسعى جاهدا لطمس الحقائق والتستّر بجلباب ضحية النظام السابق متناسيا تلاعبه وتحيّله وسعيه الدائم لنهب مال الشعب من البنوك العمومية دون تسديد ما عليه من ديون مخلّدة في ذمّته أو حتّى الاعتراف بها.
وكنصيحة يقدّمها الشعب التونسي لرموز الفساد والطغيان أمثال عبد السلام عفّاس أنّ التاريخ لا يرحم ولابدّ من محاسبته لاسترجاع ديونه بالبنوك العمومية عوض القدح في نزاهتها متعلّلا بتخاريف القرابة للنظام السابق الذي يعدّ هو نفسه عنصرا فاعلا فيه آنذاك.
وسؤال أخير يتبادر لأذهاننا: أين المفر من المحاسبة؟ وهل سترضخ هيئة الحقيقة والكرامة لترّهات وتخاريف عبد السلام عفّاس والدفاع عن قضية فساد انتهت قبل أن تبدأ؟
هاجر عزّوني